المنشورات

محمد بْن الهزيل بْن عبد الله بْن مكحول، أبو الهذيل العلاف العبدي البصري، مَوْلَى عبد القيس

وَكَانَ شيخ المعتزلة ومصنف الكتب فِي مذاهبهم. ولد سنة خمس وثلاثين ومَائة، وَكَانَ يقول: علم الله هُوَ الله، وقدرة الله هي الله، ونعيم الجنة يفنى، وأهل الجنة تنقطع 101/ أحركاتهم فيها حَتَّى لا ينطقون بكلمة. / وَكَانَ فاسقا فِي باب الدين.
وقد روى أحاديث عن سليمَان بْن قرم، وغياث بْن إبراهيم، وهمَا كذابان مثله [5] .
أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ بْن محمد قَالَ: أخبرنا أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي الصيمري قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عمران المرزباني قَالَ: حدثني أبو الطيب إبراهيم بْن محمد بْن شهاب العَطَّار قَالَ: روى أبو يعقوب الشحام قَالَ: قَالَ لي أبو الهذيل: أول مَا تكلمت كَانَ لي أقل من خمس عشرة سنة، وكنت أختلف إِلَى عثمَان الطويل صاحب واصل بْن عطاء، فبلغني أن رجلا يهوديا قدم البصرة وقد قطع عامة متكلميهم، فقلت لعمي: يَا عم، امض بي إِلَى هَذَا اليهودي أكلمه، فَقَالَ لي: يَا بني، هَذَا اليهودي قد غلب جمَاعة متكلمي أهل البصرة، أفمن جدك [6] أن تكلم من لا طاقة لك بكلامه. فقلت: لا بد من [7] أن تمضي بي إليه، ومَا عليك مني غلبني أو غلبته، فأخذ بيدي ودخلنا عَلَى اليهودي، فوجدته يقرر الناس الذين يكلمونه بنبوة موسى، ثُمّ يجحد نبوة نبينا صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فيقول: نحن عَلَى مَا اتفقنا عَلَيْهِ من صحة نبوة موسى إِلَى أن نتفق على نبوة غيره فنقر به.
قَالَ: فدخلت عَلَيْهِ، فقلت لَهُ: أسألك أو تسألني [8] ؟ فَقَالَ لي: يا بني أو ما ترى مَا أفعله بمشايخك؟ فقلت لَهُ: دع عنك هَذَا واختر، إمَا أن تسألني، أو أسألك. فَقَالَ:
بل أسأل.
أخبرني، أليس موسى نبي من أنبياء الله تعالى قد صحت نبوته، وثبت دليله، تقر بهذا أو تجحده فتخالف صاحبك؟
فقلت [لَهُ] : [1] إن الذي سألتني عنه من أمر موسى عندي عَلَى أمرين، أحدهمَا:
أني أقر بنبوة موسى الذي أخبر بصحة نبوة نبينا [محمد صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ] [2] وأمر باتباعه، وبشر به وبنبوته، فإن كان عن هَذَا تسألني فأنا مقر بنبوته، وإن كَانَ موسى الذي سألتني عنه/ لا 101/ ب يقر بنبوة نبينا محمد صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، ولم يأمرنا باتباعه، ولا بشر به، فلست أعرفه ولا أقر بنبوته، بل هُوَ عندي شيطان مخزى.
فتحير لمَا ورد عَلَيْهِ مَا قتله [3] لَهُ [4] وقال لي: فمَا تقول فِي التوراة؟ قلت [5] : أمر التوراة عندي أيضا [6] عَلَى وجهين، إن كانت التوراة التي أنزلت عَلَى موسى النَّبِيّ الذي أقر بنبوة نبينا محمد صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فهي التوراة الحق، وإن كانت أنزلت عَلَى الذي تدعيه فهي باطل غير حق، وأنا غير مصدق بِهَا.
فَقَالَ لي: أحتاج أن أقول لك شيئا بيني وبينك، فظننت أنه يقول شيئا من الخير، فتقدمت إليه، فسارني وقال: أمك كذا وكذا، وأم من علمك، لا يكنى. وقدر أني أثب به فيقول: قد وثبوا بي وشغبوا علي، فأقبلت عَلَى من كَانَ فِي المجلس فقلت: أليس قد عرفتم مسألته إياي، وجوابي لَهُ [7] ؟ فقالوا: نعم. فقلت: أليس عَلَيْهِ أن يرد جوابي؟
قالوا: نعم [8] . قلت: إنه لمَا سارني شتمني الشتم الذي يوجب الحد، وشتم من علمني، وإنمَا قدر أني أقوم [9] أثب به [10] ، فيدعي أنا واثبناه وشغبنا عَلَيْهِ، وقد عرفتكم شأنه بعد انقطاعه. فأخذته الأيدي والأكف بالنعال، فخرج هاربا من البصرة وقد كان له بهادين كثير، فتركه وخرج لمَا لحقه من الانقطاع [11] .
أخبرنا [أبو منصور] القزاز قال: أخبرنا أحمد بْنُ عَلِيِّ [بْنِ ثَابِتٍ] قَالَ: أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْن أيوب القمي قَالَ: أخبرني محمد بْن عمران الكاتب قَالَ: أخبرني محمد بْن العباس قال: حدثنا محمد بن يزيد النحوي، عن الجاحظ، قَالَ: لقي اللصوص قومَا فيهم أبو الهذيل فصاحوا وقالوا: ذهبت ثيابنا. قال: ولم؟ كلوا الحجة إلي، فو الله لا أخذوها أبدا، وظنوا أنهم خوارج يأخذون بمناظرة، فقالوا: إنهم لصوص يأخذون الثياب بلا حجة، فقال: ذهبت الثياب والله [1] .
102/ أأخبرنا القزاز قال: أخبرنا/ أحمد بن علي [الخطيب قَالَ:] [2] أَخْبَرَنَا أبو منصور أحمد بْن عيسى [3] بْن عبد العزيز قَالَ: أَخْبَرَنَا محمد بْن جعفر بْن هارون التميمي، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو الحسن الواقصي قَالَ: حَدَّثَنَا أحمد بْن يحيى المنجم قَالَ: أخبرني أبي قَالَ: لقي أبا الهذيل مسقف، فَقَالَ لَهُ: انزع ثيابك وأخذ بمجامع جيبه فَقَالَ أبو الهذيل:
استحالت المسألة. قَالَ: ولم؟ قَالَ: تمسك موضع النزع وتقول: انزع، أبن لي، أنزع القميص من ذيله أو من جيبه؟ فقال له: أنت أبو الهذيل؟ قَالَ: نعم! قَالَ: فانصرف راشدا [4] .
توفي أبو الهذيل فِي سنة خمس وثلاثين ومَائتين وقد تم له مائة سنة.





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید