المنشورات

الحسن بْن عثمَان بْن حمَاد بْن حسان بْن يزيد، أبو حسان الزيادي

سمع من إبراهيم بْن سعد، وهشيم بْن بشير [5] ، وابن علية، وخلقا كثيرا.
روى عنه: الكديمي، والباغندي. وَكَانَ من العلمَاء الأفاضل، صالحا دينا كريمَا مصنفا [6] ، وله تاريخ حسن، وولي قضاء الشرقية.
أَخْبَرَنَا [أبو منصور] القزاز قال: أخبرنا [أبو بكر] [7] الخطيب قال: أخبرنا الحسن بن علي الجوهري قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عمران المرزباني قَالَ: أَخْبَرَنَا عبد الواحد بْن محمد الخصيبي قَالَ: حَدَّثَنَا أبو حازم القاضي وأبو علي أحمد بْن إسمَاعيل قالا: حَدَّثَنَا أبو سهل الرَّازيّ قَالَ: حدثني أبو حسان الزيادي قَالَ: ضقت ضيقة بلغت فيها إِلَى الغاية، حَتَّى ألح علي القصاب، والبقال، والخباز، وسائر المعاملين، ولم تبق لي حيلة، فإني ليومَا عَلَى تلك الحال، وأنا مفكر في الحيلة، إذ دخل علي الغلام فَقَالَ: حاجي بالباب يستأذن؟
فقلت لَهُ: ائذن لَهُ، فدخل الخراساني فسلم، وقال: ألست أبا حسان؟ قلت:
بلى، فمَا حاجتك؟ قَالَ: أَنَا رجل غريب أريد الحج، ومعي عشرة آلاف درهم، واحتجت أن تكون قبلك حتى أقضي حجي وأرجع، فقلت هاتها، فأحضرها وخرج بعد أن وزنها وختمها، فلما خرج فككت الخاتم [1] على المكان، ثم أحضرت المعاملين فقضيت كل دين كان علي، واتسعت وأنفقت، وقلت: أضمن هذا المال للخراساني، 124/ ب وإلى أن يجيء يكون قد أتى الله بفرج من عنده، فكنت يومي ذلك فِي/ سعة وأنا لا أشك فِي خروج الخراساني، فلمَا أصبحت من غد ذلك اليوم دخل عليّ الغلام فقال:
الخراساني الحاج بالباب يستأذن فقلت: ائذن لَهُ، فدخل فَقَالَ: إني كنت عازمَا عَلَى مَا أعلمتك، ثم ورد علي الخبر بوفاة والدي، وقد عزمت عَلَى الرجوع إِلَى بلدي، فتأمر لي بالمَال الذي أعطيتك أمس.
قَالَ: فورد علي أمر لم يرد علي مثله قط [2] ، وتحيرت فلم أدر مَا أقول لَهُ، ولا [3] بمَا أجيبه، وفكرت فقلت: مَاذا أقول للرجل؟ ثم قلت: نعم، عافاك الله [تعالى] ، منزلي هَذَا ليس بحريز، ولمَا أخذت مَالك وجهت به إِلَى من هُوَ قبله، فتعود فِي غد لتأخذه، فانصرف وبقيت [4] متحيرا مَا أعمل؟ إن جحدته قدمني فاستحلفني، وكانت الفضيحة فِي الدنيا والآخرة، وإن دافعته صاح وهتكني وغلظ الأمر علي جدا، وأدركني الليل وفكرت في بكور الخراساني إليّ، فلم يأخذني النوم ولا قدرت على الغمض، فقمت إلى الغلام فقلت له: أسرج البغلة، فقال: يا مولاي، هذه العتمة بعد [5] ، وما مضى من الليل شيء، فإلى أين تمضي؟
فرجعت إلى فراشي، فإذا النوم ممتنع، فلم أزل أقوم إلى الغلام وهو يردّني حتى فعلت ذلك ثلاث مرات، وأنا لا يأخذني القرار، وطلع الفجر، فأسرج البغلة وركبت، وأنا لا أدري أَيْنَ أتوجه، وطرحت عنان البغلة، وأقبلت أفكر وهي تسير بي [6] حَتَّى بلغت الجسر فعدلت بي فتركتها فعبرت، ثم قلت: إِلَى أين أعبر، وإلى أين أمضي؟
وَلَكِن إن رجعت وجدت الخراساني عَلَى بابي، دعها تمضي إِلَى حيث شاءت، ومضت البغلة، فلمَا عبرت الجسر/ أخذت بي يمنة إِلَى [ناحية] [1] دار المأمون، 125/ أفتركتها إِلَى أن قاربت باب المأمون، والدنيا بعد [2] مظلمة، فإذا بفارس قد تلقاني، فنظر فِي وجهي، ثم سار وتركني، ثم رجع إلي فَقَالَ: ألست بأبي حسان الزيادي؟ قلت:
بلى. قَالَ: أجب الأمير الحسن بْن سهل، فقلت فِي نفسي: ومَا يريد الحسن بْن سهل مني؟ ثم سرت معه حَتَّى صرنا إِلَى بابه فاستأذن لي عَلَيْهِ [فأذن لي] [3] ، فَقَالَ: أبا حسان، مَا خبرك؟ وكيف حالك؟ ولم انقطعت عنا؟ فقلت: لأسباب وذهبت لأعتذر.
فَقَالَ: دع عنك هَذَا، أنت فِي لوثة أو فِي أمر، فإني [4] رأيتك البارحة فِي النوم فِي تخليط [5] كثير، فابتدأت فشرحت لَهُ قصتي من أولها إِلَى آخرها إِلَى [6] أن لقيني صاحبه [ودخلت عَلَيْهِ] [7] ، فَقَالَ: لا يغمك [8] يَا أبا حسان، قد فرج الله عنك هَذِهِ بدرة للخراساني مكان بدرته، وبدرة أخرى لك تتسع بها، وإذا نفذت أعلمنا. فرجعت من مكاني فقضيت الخراساني، واتسعت، وفرج الله وله الحمد [9] .
توفي أبو حسان [10] فِي رجب هَذِهِ السنة، وله تسع وثمَانون سنة وأشهر، ومَات هُوَ والحسن بْن الْجَعْد فِي وقت واحد، وأبو حسان [11] عَلَى الشرقية [12] ، والحسن بْن علي عَلَى مدينة المنصور.





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید