المنشورات

محمد بْن أسلم بْن سالم بْن يزيد، أبو الحسن الكندي الطوسي

سمع عبدان بْن عثمَان، وسعيد [8] بْن منصور والحميدي، وقبيصة [9] ، ويزيد بْن هارون في خلق كثير، وكان من الصالحين.
قَالَ محمد بْن رافع: دخلت عَلَى محمد بْن أسلم فمَا شبهته إلا بأصحاب النبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَكَانَ محمد بْن أسلم يخدم نفسه وعياله [10] ويستقي المَاء من النهر بالجرار فِي اليوم البارد، وَكَانَ إذا اعتل لم يخبر أحدا بعلّته ولم يتداو.
أخبرنا [محمد] بن ناصر الحافظ قال: أخبرنا حمد بْنُ أحمد الحداد [1] قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو نعيم [2] أحمد بن عبد الله قال: حدثنا أبي قَالَ: حَدَّثَنَا خالي أحمد بْن محمد بْن يوسف قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا أبو عبد الله محمد بْن القاسم قَالَ: سمعت إسحاق بْن راهويه يقول: لم أسمع بعالم منذ خمسين سنة [3] كَانَ أشد تمسكا بأثر رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ من محمد بْن أسلم.
قَالَ أبو عبد الله: وقال لي محمد بْن أسلم يا أبا/ عبد الله ما لي ولهذا الخلق كنت فِي صلب أبي وحدي، ثم صرت فِي بطن أمي وحدي، ثم دخلت إِلَى [4] الدنيا وحدي، ثم تقبض روحي وحدي، فأدخل فِي قبري وحدي، فيأتيني منكر ونكير فيسألاني وحدي، فأصير إِلَى حيث صرت [5] وحدي، وتوضع عملي وذنوبي فِي الميزان وحدي، وإن بعثت إِلَى الجنة بعثت وحدي، وإن بعثت إِلَى النار بعثت وحدي، فمَا لي والناس! قَالَ [6] : وصحبته نيفا وعشرين سنة لم أره يصلي ركعتي [7] التطوع إلا يوم الجمعة، ولا يسبح وَلَا يقرأ حيث أراه، ولم يكن أحد أعلم بسره وعلانيته مني. وسمعته يحلف مرارا: لو قدرت أن تطوع حيث لا يراني ملكاي فعلت، وَكَانَ يدخل بيتا ويغلق بابه ويدخل معه كوزا من مَاء، فلم أدر مَا يصنع، حَتَّى سمعت ابنا لَهُ صغيرا يحكي بكاءه، فنهته أمه، فقلت لها: مَا هَذَا البكاء؟ فقالت: إن أبا الحسن [8] يدخل هَذَا البيت فيقرأ القرآن ويبكي فيسمعه الصبي فيحكيه، وَكَانَ إذا أراد أن يخرج غسل وجهه واكتحل، فلا يرى عَلَيْهِ أثر البكاء، وكان يصل قوما فيعطيهم ويبرهم ويكسوهم [9] ، فيبعث إليهم ويقول للرسول: انظر لا يعلمون من بعثه إليهم، ويأتيهم هُوَ بالليل فيذهب به إليهم ويخفي نفسه، فربمَا بليت ثيابهم ونفد مَا عندهم ولا يدرون من الذي أعطاهم.
قَالَ: ودخلت عَلَيْهِ يومَا [10] قبل موته بأربعة أيام فَقَالَ لي: يَا أبا عبد الله، تعال أبشرك بمَا صنع الله بأخيك من الخير. قد [11] نزل بي الموت وقد من الله علي أنه ليس عندي درهم يحاسبني الله عَلَيْهِ وقد علم ضعفي، وأني لا أطيق الحساب [فلم يدع لي شيئا يحاسبني عَلَيْهِ] [1] ثم قَالَ: أغلق الباب ولا تأذن لأحد علي حَتَّى أموت/، واعلم أني أخرج من الدُّنْيَا وليس عندي ميراث غير كسائي ولبدي وإنائي الذي أتوضأ فيه وكتبي، وكانت معه صرة فيها نحو ثلاثين درهمَا فَقَالَ: هَذَا لابني، أهداه إليه [2] قريب لَهُ، ولا أعلم شيئا أحل لي منه، لأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ «أنت ومَالك لأبيك» فكفنوني منها، فإن أصبتم [لي] بعشرة [دراهم] [3] مَا يستر عورتي فلا تشتروا لي [4] بخمسة عشر، وابسطوا عَلَى جنازتي لبدي، وغطوا عَلَيْهَا بكسائي، وتصدقوا بإنائي، أعطوه مسكينا يتوضأ فيه، ثم مَات فِي اليوم الرابع وصلى عَلَيْهِ نحو من ألف ألف تقريبا [5] .
توفي ابْن أسلم في هذه السنة، ودفن إِلَى جنب إسحاق بْن راهويه.





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید