المنشورات

خلافة المستعين

واسمه أَحْمَد بن مُحَمَّد بن المعتصم، ويكنى: أبا العباس، وقيل: أبا عبد الله، وكان ينزل سرمن رأى، ثم ورد بغداد فأقام بها إلى أن خلع، وأمه أم ولد اسمها مخارق، وكان أبيض حسن الوجه، ظاهر الدم، بوجهه أثر جدري، وسبب بيعته لما توفي المنتصر اجتمع الموالي وفيهم بغا الصغير وبغا الكبير فاستحلفوا قواد الأتراك والمغاربة على أن يرضوا بمن يرضى به بغا الكبير، وبغا الصغير، وذلك بتدبير ابن الخصيب فحلفوا وهم كارهين أن يتولى الخلافة [1] أحد من أولاد المتوكل لقتلهم أباه، فأجمعوا على أَحْمَد بن مُحَمَّد بن المعتصم فدعوه ليبايع له بالخلافة، فقال: استعين باللَّه وافعل. فسمي المستعين، فبايعوه بعد عشاء الآخرة من ليلة الاثنين لست خلون من ربيع الآخر، وحضر يوم الثلاثاء في دار العامة، وجاء الناس على طبقاتهم، فبينا هم على ذلك جاءت صيحة من ناحية السوق، وإذا خيل ورجالة وعامة قد شهروا السلاح وهم ينادون: معتز يا منصور، فشدوا على الناس، واقتتلوا، فوقع بينهم جماعة من القتلى إلى أن مضى من النهار ثلاث ساعات، ثم انصرف الأتراك وقد بايعوا المستعين ودخل الغوغاء والمنتهبة دار العامة، فانتهبوا خزانة السلاح، فجاء بغا وجماعة من الأتراك فأجلوهم عن الخزانة وقتلوا منهم عدة، وتحرك أهل السجون بسامراء في هذا اليوم، فهرب منهم جماعة [2] .
ولما توفي [3] المنتصر كان في بيت المال تسعون ألف ألف درهم فأمر المستعين للجند برزق خمسة أشهر وكان ألفي ألف دينار، وللعابد ألف واثنين وتسعين دينارا.
وفي هذه السنة: توفي طاهر بن عَبْد اللَّهِ بن طاهر، فعقد المستعين لابنه مُحَمَّد بن طاهر عَلَى خراسان والعراق، وجعل إليه الحرس والشرطة ومعالم من السواد.
ومرض بغا الكبير فعاده المستعين، وذلك للنصف من جمادى الآخرة، ومات بغا من يومه فعقد لابنه موسى على أعمال أبيه، وولي ديوان البريد، ووهب المستعين لأحمد بن الخصيب فرش الجعفري، فحملت عَلَى نحو من مائتين وخمسين بعيرا، وقيل: كانت قيمتها ألف ألف درهم، ووهب له دار ختيشوع وأقطعه غلة مائتي ألف وخمسين ألفا، وأمر له بألف قطعة من فرش أم المتوكل، ثم سخط عَلَيْهِ المستعين فقبضت أمواله، ونفي إلى أقريطش [1] .
وفي ربيع الآخر [2] من هذه السنة ابتاع المستعين من المعتز والمؤيد جميع ما لهما من المنازل والقصور والمتاع سوى أشياء استثناها المعتز، وأشهد عليهما بذلك، وترك لأبي عَبْد الله ما تبلغ عليه في السنة عشرين ألف دينار، وكان الذي ابتيع من أبي عَبْد اللَّهِ بعشرة آلاف ألف [درهم] وعشر حبات لؤلؤ. ومن إبراهيم بثلاثة آلاف ألف درهم وثلاث حبات لؤلؤ، وكان الشراء [3] باسم الحسن بن مخلد للمستعين، وحبسا في حجرة، ووكل بهما، وجعل أمرهما إلى بغا الصغير، وكان الأتراك حين شغب الغوغاء أرادوا قتلهما فمنعهم [4] من ذلك أَحْمَد بن الخصيب، وَقَالَ: ليس لهما ذنب، ولا هذا الشغب من أصحابهما، وإنما الشغب من أصحاب ابن طاهر [5] .
[أَخْبَرَنَا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: أخبرني الأزهري قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الله بن مُحَمَّد بن أَحْمَد المقرئ، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن يحيى النديم، وحدثنا عون بن مُحَمَّد الكندي قَالَ: حدثني عَبْد اللَّهِ] [6] بن مُحَمَّد بن داود المعروف بأترجة قَالَ: دخلت على المستعين باللَّه فأنشدته:
غدوت بسعد غدوة لك باكرة ... فلا زالت الدنيا بملكك عامره
ونال مواليك الغنى بك ما بقوا ... وعزوا وعزت دولة لك ناصره
بعثت علينا غيث جود ورحمة ... فنلنا بدنيا منك فضلا وآخره
فلا خائف إلا بسطت أمانه ... ولا معدم إلا سددت مفاقره
تيقن بفضل المستعين بفضله ... علي غيره- نعماء في الناس ظاهره
قَالَ: فدفع إلي خريطة كانت في يده مملوءة دنانير، ودعى بغالية فجعل يغلفني بيده [1] .
وفيها: صرف علي بن يحيى عن الثغور الشامية، وعقد له على أرمينية، وأذربيجان في رمضان [2] .
وفيها: شغب أهل حمص على عامل [3] المستعين عليها فأخرجوه [منها] [4] فوجه إليهم الفضل [5] بن قارون فمكر بهم [6] حتى أخذهم فقتل منهم خلقا كثيرا، وحمل مائة رجل من عياريهم [7] إلى سامراء [8] وهدم سورهم [9] .
وفيها: غزا الصائفة وصيف، وعقد المستعين لأوتامش على مصر والمغرب، واتخذه وزيرا وجعله على جميع الناس [10] .
وفيها: عقد لبغا الشرابي على حلوان، وماسبذان، ومهرجان، وأقطع بغا وأوتامش كل واحد منهما غلة ألف ألف درهم، وأقطع وصيفا التركي غلة ألف ألف،وصير المستعين شاهك الخادم على داره وحرمه وخزانته وكراعه وخاص أموره [1] .
وحج بالناس في هذه السنة مُحَمَّد بن سليمان الزينبي [2] ، وخرج عبيد الله بن يحيى بن خاقان إلى الحج فوجه المستعين رسولا ينفيه إلى برقة ويمنعه من الحج.






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید