المنشورات

وصيف التركي

كان أميرا كبيرا، وخدم جماعة من الخلفاء، وفي هذه السنة طلب الجند منه أرزاقهم، فقال: ما عندنا مال. فقتلوه، فجعل المعتز ما كان إليه إلى بغا الشرابي.
وقد روى هلال بن المحسن الصابي: أن بعض مشايخ قم قَالَ: ورد علينا وصيف التركي أميرا على بلدتنا، فلقيناه، فرأيناه عاقلا راجحا، فسألنا عن أمر بلدتنا وأهله [6] سؤال عالم به، وسألنا عن شيوخ البلد، إلى أن انتهى إلى ذكر رجل لم يكن مذكورا، فلم يعرفه [منّا] [7] إلا رجل كان معنا، ثم أتبع ذكره بتعظيم أمره، وتعرف خبر ولده، وحاله في معيشته، وأطال في ذلك إطالة حتى [8] استجهلناه فيها، ثم قَالَ: أحضرونيه إحضارا رفيقا، فإنّي أكره أن أنفذ إليه فينزعج. فأحضرناه، فلما وقعت عينه عليه قام إليه وأجلسه معه في دسته، ثم أقبل يسأله عن زوجته وولده، والشيخ يجيبه جواب دهش، ثم قال له: أحسبك [1] قد نسيتني وأنكرت معرفتي. قَالَ: كيف أنكر الأمير مع جلالة قدره.
فقال: دع ذا، أتعرفني جيدا؟ قَالَ: لا. قَالَ: أنا وصيف مملوكك. ثم التفت إلينا فقال:
يا مشايخ [2] ، أنا رجل من الديلم، شببت وقت كذا وكذا، وحملت إلى قزوين وسني نحو العشر سنين، واشتراني هذا الشيخ وأسلمني مع ابنه في المكتب، وأحسن تربيتي، فإذا وقع في يدي شيء تركته عند فلان البقال [3] في المحلة [يعرف بفلان] [4] أهو باق؟
قالوا: نعم [قَالَ:] فأحببت بعد [5] بلوغي العمل [بحمل] [6] السلاح، فرآني بعض الجند فقال: هل لك أن تجيء معي إلى خراسان فأركبك الدواب وأعطيك السلاح؟
فقلت: أفعل على أن لا أكون لك مملوكا، بل غلاما تابعا، فإن رأيت منك ما أؤثر لم أفارقك، وإن لم يكن [7] ذلك فلا سلطان لك علي فقال: ذلك لك [8] . فجئت إلى البقال فحاسبته، وأخذت ما بقي لي عنده، وابتعت ما أحتاج إليه [9] وهربت من مولاي هذا مع الجندي إلى خراسان، وتدرجت بي الأمور حتى بلغت إلى هذه المنزلة، وأنا تحت رق مولاي هذا، وأسألكم أن تسألوه أن يبيعني نفسي، فقال الرجل: الأمير حر لوجه الله، وأنا عبده ومتحمل بولائه ومفتخر به. فقال وصيف: يا غلام، هات ثلاث بدر. فأحضرت فسلمها إلى الشيخ، ثم استدعى له من الطيب والثياب والدواب [10] مثل قدر المال، وطلب ابنه فأكرمه، وأعطاه عشرة آلاف درهم وثيابا ودوابا، واستدعى البقال فوهب [1] له خمس مائة دينار، ثم بعث إلى زوجة الشيخ وبناته مالا، وَقَالَ له [2] :
انبسط في سلطاننا انبساط من صاحبه مولاك، فإني لا أردك عن مطلب تطلبه، ولا أعترض عليك في شيء تعمله، ثم قَالَ: يا مشايخ قم، أنتم شيوخي ما على الأرض أوجب حقا [3] علي منكم إلا أني أخالفكم في الرفض فإني درت [4] الآفاق، وعرفت المذاهب، فما وجدت على اعتقادكم أحد، ومن المحال وقوع الإجماع على ضلال وانفرادكم من بين الناس بالحق. وصار الشيخ وابنه رئيسي البلدة [5] .





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید