المنشورات

موسى بن بغا دخل سامراء يوم الاثنين لإحدى عشرة ليلة خلت من المحرم

والمهتدي [يومئذ] [1] قد جلس للمظالم، فأقاموه عن مكانه وحملوه على دابة من دواب الشاكرية، وانتهبوا ما كان في الجوسق من دواب الخاصة، فأدخلوه دارا، فجعل المهتدي يقول لموسى: ما تريد؟ ويحك [2] ، اتق الله عز وجل [3] ، فإنك تركب أمرا عظيما. فقال موسى: ما نريد إلا خيرا. فأخذوا عَلَيْهِ العهود والمواثيق أنه لا يمالي صالحا عليهم، ولا يضمر لهم إلا مثل ما يظهر ففعل ذلك، فجددوا له البيعة ليلة الثلاثاء لاثنتي عشرة ليلة خلت من المحرم. وأصبحوا يَوْم الثلاثاء، فوجهوا إلى صالح أن يحضرهم، فوعدهم أن يحضر [4] ، ثم استتر، فأظهر النداء عَلَيْهِ [5] ، ثم قتل لثمان بقين من صفر [6] .
وولى [7] سليمان بن عَبْد اللَّهِ بن طاهر بغداد والسواد، ووجّه إليه بخلع كثيرة، وكان الأتراك قد تحدثوا بخلع المهتدي [فبلغه] [1] ، فخرج إليهم متقلدا سيفا وَقَالَ: قد بلغني ما أنتم عليه من أمر، والله ما خرجت إليكم إلا وأنا متخبط وقد أوصيت لإخوتي [2] بولدي، وهذا سيفي، والله لأضربن به [3] ما استمسك قائمه في يدي، ما هذا الإقدام على الخلفاء والجرأة على الله عز وجل، سواء عندكم من أراد صلاحكم ومن إذا سمع عنكم بشيء دعا بأرطال من الشراب فشربها، ثم تقولون إني أعلم علم صالح وما أعلم علمه [4] . قالوا: فأحلف لنا على ذلك. قَالَ: نعم. فورد [5] مال فارس والأهواز ومبلغه تسعة عشر ألف [ألف] [6] درهم وخمس مائة ألف درهم، فانتشر في العامة [أن القوم قد عرفوا] [7] أن يخلعوا المهتدي ويقتلونه، فبعث المهتدي [8] إلى العسكر ووعدهم الجميل، وكان المهتدي قد كسر جميع ما في القصر من الملاهي وآلات اللعب.
وفي هذه السنة: وافى جعلان لحرب صاحب الزنج، فزحف بعسكره، فبقي بينه وبين صاحب الزنج فرسخ فخندق [9] على نفسه، فأقام ستة أشهر، ولم يجد إلى لقائه سبيلا لضيق الموضع بما فيه من النخل والدغل عن محال الخيل، فكانوا إذا التقوا لم يكن بينهم إلا الرمي [10] بالنشاب والحجارة، فجاء الزنج فبيتوا عسكر جعلان فقتلوا جماعة، فترك جعلان عسكره، وانضم إلى البصرة، فظهر للسلطان عجزه، فصرف [11] ، وأمر سعيد الحاجب بالشخوص لحرب الزنج.
وفي هذه السنة: تحول صاحب الزنج من السبخة التي كان نزلها [1] إلى الجانب الغربي من النهر المعروف [بأبي] الخصيب، وأخذ أربعة وعشرين مركبا من مراكب البحر كانت قد اجتمعت تريد البصرة، وكان يقول لأصحابه: لما بلغني قرب المراكب مني [2] نهضت للصلاة [3] ، وأخذت في الدُّعَاء والتضرع، فخوطبت بأن قيل لي: قد أظلك فتح عظيم. فالتفت فطلعت المراكب، فحواها أصحابي، وقتلوا مقاتليها وسبوا ما فيها من الرقيق، وغنموا منها أموالا عظيمة [4] .
وفي هذه السنة: خلع المهتدي باللَّه لأربع عشرة خلت من رجب، وقتل، وفي سبب خلعه [5] قولان:
أحدهما: أنه كتب إلى بعض الأتراك أن يقتل بعضهم فأطلع المأمور ذلك الرجل على هذا، وقَالَ له: إذا قتلتك اليوم قتلت أنا غدا. قَالَ: فما نصنع؟ قَالَ: ندير على المهتدي [6] ، فقدم [7] ذلك المأمور على المهتدي، فقال له: ألم آمرك بقتل من أمرتك بقتله؟ فتعلل [عليه] [8] فأمر بقتله فقتل ورمى رأسه إلى أصحابه، ووقع القتال بين الناس، وخرج المهتدي يقاتل ويقول: يا معشر الناس، انصروا خليفتكم. فآل الأمر إلى أن قتلوه.
والقول الثاني: أنه كان قد كتب رقعة بخطه: أنه متى غدر بهم أو اغتالهم فهم في حل من بيعته، ولما كتب إلى بعضهم أن يقتل بعضا استحلوا نقض بيعته، ودعوه إلى خلع نفسه، فأبى، فخلعوا أصابع يديه من كفيه، وأصابع رجليه من قدميه، فورم ومات.
ويقال: [9] عذبوه بفنون العذاب، وأشهدوا على موته، وبايعوا المعتمد [10] .






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید