المنشورات

مُحَمَّد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة ، أبو عَبْد اللَّهِ الجعفي البخاري

صاحب «الجامع الصحيح» و «التاريخ» ولد يوم الجمعة بعد الصلاة لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال سنة أربع وتسعين ومائة. وإنما قيل [5] له: الجعفي، لأن أبا جده أسلم- وكان مجوسيا- على يدي يمان الجعفي [، وكان يمان] [6] والي بخاري، فنسب إليه. ورحل مُحَمَّد بن إسماعيل في طلب العلم، وكتب بخراسان، والجبال، ومدن العراق، والحجاز، والشام، ومصر، وسمع بكر بن إبراهيم، وعبدان، ومحمد بن عَبْد اللَّهِ الأنصاري، وأبا نعيم، وعفان، وأبا الوليد الطيالسي، والقعنبي، والحميدي، وعلي بن المديني، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وخلقا يطول ذكرهم.
وورد إلى بغداد دفعات. وحدث بها فروى عنه من أهلها: إبراهيم الحربي، والباغندي، وابن صاعد، وغيرهم، وآخر من حدث عنه بها: الحسين بن إسماعيل المحاملي.
ومهر البخاري في علم الحديث، ورزق الحفظ له والمعرفة له [1] .
أَخْبَرَنَا أبو منصور القزاز [قال:] أخبرنا [أحمد بن علي بن ثابت] [2] الخطيب قَالَ: حدثني عبد الغفار بن عبد الواحد [3] الأرموي [4] قَالَ: حدثني مُحَمَّد بن إبراهيم بن أحمد الأصبهاني قال: أخبرني أَحْمَد بن علي الفارسي حَدَّثَنَا [5] أَحْمَد بن عَبْد اللَّهِ بن مُحَمَّد قَالَ: سمعت جدي مُحَمَّد بن يوسُف [الفربري] [6] يقول [7] : حَدَّثَنَا أبو جعفر مُحَمَّد بن أبي حاتم الوراق النحوي قَالَ: قلت لأبي عَبْد الله مُحَمَّد بن إسماعيل البخاري: كيف كان بدء [8] أمرك في طلب الحديث؟ قَالَ: ألهمت حفظ الحَدِيث وأنا في الكتاب، قلت: وكم أتى عليك إذ ذاك؟ فقال: عشر سنين أو أقل، ثم خرجت من الكتاب بعد العشر [9] فجعلت أختلف إلى الداخلي [10] وغيره. فقال يوما فيما كان يقرأ للناس: سُفْيَان، عن أبي الزبير، عن إبراهيم. فقلت [أنا] له: يا أبا [11] فلان، إن [12] أبا الزبير لم يرو عن إِبْرَاهِيم. فانتهرني. فقلت له: ارجع إلى الأصل إن كان عندك [13] . فدخل ونظر فيه، ثم خرج فقال لِي: كيف هو يا غلام؟ قلت: هو الزبير بن عدي، عن إبراهيم. فأخذ القلم [14] مني وأحكم كتابه، وقَالَ: صدقت. فقال له بعض أصحابه: ابن كم كنت إذ رددت عليه؟ قَالَ: ابن إحدى عشرة سنة، فلما طعنت في ست عشرة حفظت كتب ابن المبارك، ووكيع، ثم خرجت مع أمي [1] وأخي [أَحْمَد] [2] إلى مكة، فلما حججت رجع أخي، وتخلفت بِهَا في طلب الحديث، فلما طعنت في ثمانية عشرة سنة جعلت أصنف قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم، وصنفت كتاب «التاريخ» [3] ذاك عند قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الليالي المقمرة، وقل اسم في «التاريخ» إلا وله عندي قصة [4] ، إلا أني كرهت تطويل الكتاب [5] .
وفي رواية ابن البخاري: كتب تراجم جامعة بين قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومنبره [6] ، وكان يصلي لكل ترجمة ركعتين. وَقَالَ: كتبت عن ألف شيخ. قال: وأخرجت هذا الكتاب من زهاء ستمائة ألف حديث [7] ، وما وضعت [في كتاب الصحيح] حديثا إلا اغتسلت [قبل ذلك] [8] وصليت ركعتين [9] .
قَالَ الفربري: سمع هذا الكتاب تسعون ألف رجل ما بقي أحد يرويه غيري [10] .
أَخْبَرَنَا عبد الرحمن القزاز [قَالَ:] أَخْبَرَنَا الخطيب أَحْمَدُ [بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ] قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصُّورِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن أَحْمَد بن جميع الغساني [قَالَ:] حَدَّثَنَا أَحْمَد بن مُحَمَّد بن آدم [قَالَ:] [11] حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن يوسف قَالَ: كنت عند مُحَمَّد بن إسماعيل البخاري في منزله ذات ليلة، فأحصيت أنه قد قام وأسرج يستذكر أشياء يعلقها في ليلة ثماني عشرة مرة [1] .
وروي عنه بعض رفقائه أنه كان يختلف معهم إلى مشايخ البصرة وهو غلام، ولا يكتب فسألوه بعد أيام: لم لا [2] تكتب. فقرأ عليهم جميع ما سمعوه من حفظه [3] ، وكان يزيد على خمسة عشر ألف حديث، وكان بندار يقول: ما قدم علينا مثل مُحَمَّد بن إسماعيل [4] .
ودخل مرة إلى مجلس بندار فما عرفه، فقيل له: هذا أبو عَبْد اللَّهِ. فقام فأخذ بيده وعانقه، وَقَالَ: مرحبا بمن أفتخر به منذ سنين.
وَقَالَ أبو بكر [5] بن أبي شيبة، ومحمد بن عَبْد اللَّهِ [6] بن نمير: ما رأينا مثل مُحَمَّد بن إسماعيل.
وَقَالَ أبو بكر الأعين: كتبنا عن مُحَمَّد بن إسماعيل [7] على باب مُحَمَّد بن يوسف الفريابي وما فِي وجهه شعرة [8] .
وَقَالَ أَحْمَد بن حنبل: ما أخرجت خراسان مثل مُحَمَّد بن إسماعيل البخاري [9] .
وَقَالَ إِسْحَاق بن راهويه، وعنده البخاري: يا معشر [10] أصحاب الحديث، انظروا إلى هذا الشاب، واكتبوا عنه، فإنه [11] لو كان في زمن الحسن لاحتاج إليه الناس لمعرفته بالحديث وفهمه.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد [قال:] أخبرنا [أَحْمَد بن علي الْحَافِظ] [1] الخطيب قَالَ: حدثني عَبْد اللَّهِ بن أَحْمَد الصيرفي قَالَ: سمعت الدارقطني يقول: لولا البخاري ما ذهب مسلم ولا جاء.
أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّحْمَنِ [قَالَ:] أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن علي قَالَ: حدثني مُحَمَّد بن [أبي] الحسن الساحلي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن الحسن الرازي قَالَ: سمعت أبا أَحْمَد بن عدي الْحَافِظ [2] يقول: سمعت عدة مشايخ يحكون أن [3] مُحَمَّد بن إسماعيل البخاري قدم إلى بغداد [4] فسمع به أصحاب الحديث فاجتمعوا وعمدوا إلى مائة حديث [5] قلبوا [6] أسانيدها [7] ومتونها [8] وجعلوا متن هذا لإسناد آخر [9] وإسناد هذا لمتن [10] آخر [11] ، ودفعوها إلى عشرة أنفس إلى كل رجل عشرة [12] أحاديث، وأمروهم إذا حضروا المجلس يلقون ذلك على البخاري، فحضروا فانتدب رجل من العشرة فسأله عن حديث من تِلْكَ الأحاديث، فقال: لا أعرفه. فسأله عن آخر، فقال: لا أعرفه. فما زال يلقي عليه واحدا بعد واحد، حتى فرغ من العشرة، والبخاري يقول: لا أعرفه. فكان بعض الفهماء يقول: الرجل فهم. وبعضهم يقضي عليه بالعجز. ثم انتدب رجل آخر فسأله عن [حديث من] [13] الأحاديث وهو يقول فِي الحديث [14] : لا أعرفه حتى فرغ من عشرته،ثم الثالث، ثم الرابع، إلى تمام العشرة، والبخاري لا يزيدهم على: لا أعرفه، فلما فرغوا التفت البخاري إلى الأول وَقَالَ: أما حديثك الأول فهو [1] كذا، والحديث [2] الثاني كذا، والثالث [3] كذا، حتى أتى على [4] تمام العشرة، فرد كل متن إلى [5] إسناده، وكل إسناد إلى متنه، وفعل بالآخرين مثل ذلك فأقر له الناس [6] بالحفظ، وأذعنوا له بالفضل. وكان ابن صاعد إذا ذكره يَقُولُ: الكبش النطاح [7] !.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد [قال:] أخبرنا الخطيب [أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ] [8] قَالَ: أَخْبَرَنِي الحَسَن بن مُحَمَّد البلخي، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن أبي بكر الْحَافِظ، أَخْبَرَنَا [9] أبو عمرو أحمد بن محمد بن عمر المقرئ، حَدَّثَنَا أبو سعيد بكر بن منير قَالَ: كان حمل [10] إلى مُحَمَّد بن إسماعيل بضاعة أنفذها إليه فلان، فاجتمع التجار بالعشية فطلبوها منه بربح خمسة آلاف درهم، فقال لهم: انصرفوا الليلة. فجاءه من الغد تجار آخرون فطلبوا منه تلك البضاعة بربح عشرة آلاف درهم، فردهم وَقَالَ: إني نويت البارحة أن أدفع إلى أولئك، ولا أحب أن أنقض نيتي. فدفعها إليهم [11] .
أَخْبَرَنَا [عَبْد الرحمن] القزاز [قَالَ] أَخْبَرَنَا الخطيب [أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ] أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بن مُحَمَّد الأشقر [قَالَ] : أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن أبي بكر البخاري الْحَافِظ [قَالَ:] حَدَّثَنَا أبو عمرو أَحْمَد بْن مُحَمَّد المقرئ قَالَ: سمعت بكر بن منير يقول:سَمِعْتُ مُحَمَّد بن إسماعيل يقول: أرجو أن ألقى الله [سبحانه] [1] ولا يحاسبني أن اغتبت أحدا [2] .
كان البخاري قد قَالَ: أفعال العباد مخلوقة. فقلت له: قد قلت لفظي بالقرآن مخلوق. فقال: أنا لا أقول هذا، وإنما أقول أفعال العباد مخلوقة. فهجره مُحَمَّد بن يحيى الذهلي، ومنع النَّاس من الحضور عنده، واتفق أن خالد بن أَحْمَد الذهلي والي بخارى سأله أن يحضر عنده ليسمع منه «الكتاب الصحيح» [ «والتاريخ» ] [3] فقال: أنا لا أذل [4] العلم، إن أراد سماع ذلك فليحضر عندي. فاحتال عليه حتى نفاه من البلد، فمضى إلى «خرتنك» وهي قرية من قرى سمرقند على فرسخين منها [5] ، فتوفي هناك [6] .
أَخْبَرَنَا [عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ] الْقَزَّازِ قَالَ: أَخْبَرَنَا [أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ] [7] الْخَطِيبُ أخبرنا أبو سعد الماليني، أخبرنا عبد الله بن عدي [8] قَالَ: سمعت الحسن بن الحسين التمار [9] يقول: رأيت مُحَمَّد بن إسماعيل شيخا نحيف الجسم، ليس بالطويل ولا بالقصير، توفي ليلة السبت عند صلاة العشاء، وكانت ليلة الفطر، ودفن يوم الفطر بعد صلاة الظهر لغرة شوال سنة ست وخمسين ومائتين، وعاش اثنتين وستين [10] سنة إلا ثلاثة عشر يوما [11] .





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید