المنشورات

مُحَمَّد بن القاسم بن خلاد [بن ياسر بن سليمان] أبو عَبْد اللَّهِ الضرير [مولى أبي جعفر المنصور، فله ولاؤه] ، ويعرف: بأبي العيناء

وسبب ذلك أنه قَالَ لأبي زيد: كيف تصغر عينا؟ فقال: عيينا يا أبا العيناء [12] .
ولد بالأهواز في أول سنة إحدى وتسعين ومائة، ونشأ بالبصرة، وقد سمع من أبي عاصم النبيل، وأبي عبيدة، والأصمعي، وأبي زيد، وعمي بعد أربعين سنة، وكان من أفصح الناس وأحفظهم وأسرعهم جوابا، ومسنداته قليلة، والغالب/ على روايته الحكايات.
أَخْبَرَنَا أبو منصور القزاز، أخبرنا أحمد بن على بن ثابت، حدثنا أبو الفرج أَحْمَد بن مُحَمَّد بن عمر المعدل، أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن [كامل] [1] القاضي، حَدَّثَنَا أبو العيناء مُحَمَّد بْن القاسم [2] قَالَ: أتيت عَبْد اللَّهِ بن داود الخريبي فقال: ما جاء بك؟
قلت: الحديث. قَالَ: اذهب فتحفظ القرآن قلت: قد حفظت [3] القرآن. قَالَ: اقرأ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ 10: 71 [4] فقرأت عليه العشر حتى أنفذته قال: فقال: [5] اذهب الآن [6] فتعلم الفرائض قَالَ: قلت: قد تعلمت الجد والصلب والكبر قَالَ: فأيما أقرب إليك، ابن أخيك أو ابن عمك؟ قَالَ: قلت: ابن أخي. قَالَ: ولم؟ قلت: لأن أخي من أبي وابن عمي [7] من جدي، قال: اذهب الآن فتعلم العربية قال: قلت: [قد] [8] علمتها قبل هذين قَالَ: لم قال عمر بن الخطاب حين طعن (يال الله يال المسلمين، لم فتح تلك وكسر هذه؟) قَالَ: قلت: فتح تلك اللام على الدعاء، وكسر هذه على [الدعاء] [9] والاستغاثة والاستنصار فقال: لو حدثت أحدا حدثتك! [10] .
أَخْبَرَنَا القزاز قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن علي قَالَ: أخبرني علي بن أيوب القمي قال:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن عمران المرزباني قَالَ: أخبرني مُحَمَّد بْن يحيى قَالَ: حَدَّثَنَا أبو العيناء قَالَ: قَالَ لي المتوكل: قد اخترتك لمجالستي! قلت: لا أطيق ذلك، ولا أقول ذلك جهلا بما لي في هذا [المجلس] [1] من الشرف، ولكني رجل محجوب، والمحجوب تختلف إشارته، ويخفي عليه الإيماء، ويجوز على أن تتكلم بكلام غضبان، ووجهك راض، وبكلام راض ووجهك غضبان، ومتى لم أميز هذين هلكت! فقال صدقت، ولكن أتلزمنا. فقلت: لزوم/ الفرض [الواجب] [2] فوصلني [3] بعشرة آلاف (درهم) [4] قَالَ: وقد روى أن المتوكل قَالَ: أشتهي أن أنادم أبا العيناء لولا أنه ضرير. فقال أبو العيناء: إن أعفاني أمير المؤمنين من رؤية الأهلة [5] ونقش الخواتيم [6] فإني أصلح [7] .
أخبرنا القزاز، أَخْبَرَنَا [أبو بكر] الخطيب قَالَ: أخبرني أَحْمَد بْن مُحَمَّد [بْن أَحْمَد] [8] بْن يعقوب قَالَ: حدثني جدي مُحَمَّد بن عَبْد اللَّهِ بن ترنحل [9] ، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن يحيى، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن القاسم بن خلاد أبو العيناء قَالَ: دعا المنصور جدي خلادا وكان مولاه فقال [له] [10] أريدك لأمر قد أهمني، و [قد] [11] اخترتك له، وأنت عندي.
كما قَالَ أبو ذؤيب الهذلي [12] :
ألكني إليها وخير الرسول ... أعلمهم بنواحي الخبر
فقال له: أرجو أن أبلغ رضا أمير المؤمنين، فقال: صر إلى المدينة على إنك من شيعة عَبْد اللَّهِ بن حسن، وأبذل له الأموال، وأكتب إلي بأنفاسه وأخبار ولده فأرضاه. ثم علم عَبْد اللَّهِ بن حسن أنه أتي من قبله قَالَ: فدعا عليه، وعلى نسله بالعمى، قال:
فنحن نتوارث ذلك إلى الساعة [1] .
ورويت [2] أن أبا العيناء تأخر رزقه فشكا إلى عبيد الله بن سليمان قَالَ: ألم نكن كتبنا لك إلى ابن المدبر، فما فعل في أمرك؟ قَالَ: جرني على [3] شوك المطل، وحرمني ثمرة الوعد! فقال: أنت اخترته! فقال: ما علي؟ فقد أختار موسى [من] قومه [4] سبعين رجلا، فما كان فيهم رجل رشيد، فأخذتهم الرجفة، واختار النبي صلى الله عليه وسلم ابن أبي سرح كاتبا فلحق بالكفار [مرتدا،] [5] واختار علي أبا موسى فحكم عليه/.
قَالَ المصنف: خرج أبو العيناء من البصرة، فقدم [6] بغداد، وكان السبب في خروجه من البصرة ما أَخْبَرَنَا به أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بن علي بن ثابت، أَخْبَرَنَا أبو القاسم الأزهري، وأحمد [7] بن عبد الواحد الوكيل قالا: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن جعفر التميمي أَخْبَرَنَا أبو بكر الصولي، عن أبي العيناء قَالَ: كان سبب خروجي من البصرة وانتقالي عنها: أني مررت بسوق النخاسين [يوما] [8] فرأيت غلاما ينادي عليه، وقد بلغ ثلاثين دينارا وهو يساوي ثلاثمائة دينار [9] فاشتريته وكنت، أبني دارا فدفعت إليه عشرين دينارا على أن ينفقها على الصناع، فجاءني بعد أيام يسيرة فقال: قد نفدت النفقة! فقلت: هات حسابك! فرفع حسابا بعشرة دنانير! قلت: أين الباقي؟
قَالَ: [قد] [1] اشتريت به ثوبا مصمتا وقطعته قلت: من أمرك بهذا؟ قَالَ: لا تعجل يا مولاي، فإن أهل المروءة والأقدار لا يعيبون علي غلمانهم إذا فعلوا فعلا يعود بالزين على مواليهم [2] ! فقلت في نفسي: أنا اشتريت الأصمعي ولم أعلم.
قَالَ: وكانت في نفسي أمرأة أردت أن أتزوجها سرا من أبنة عمي، فقلت له يوما:
أفيك خير؟ قَالَ: أي لعمري! فأطلعته على الخبر، فقال: إنا نعم العون لك! فتزوجت المرأة، ودفعت إليه دينارا وقلت [له] [3] اشتر لنا كذا وكذا، يكون فيما تشتريه سمك هازبي، فمضى ورجع وقد اشترى ما أردت، إلا أنه اشترى سمك مارماهي، فغاظني ذلك، قلت: أليس أمرتك/ أن تشتري هازبي؟ قَالَ: بلى ولكن رأيت بقراط يقول: إن الهازبي يولد السوداء، ويصف المارماهي ويقول: إنه أقل غائلة، فقلت: يا ابن الفاعلة! أنا لم أعلم أني اشتريت جالينوس، وقمت إليه فضربته عشر مقارع، فلما فرغت من ضربه أخذني وأخذ المقرعة، وضربني سبع مقارع، وَقَالَ: يا مولاي، الأدب ثلاث، والسبع [فضل وذلك] [4] قصاص، فضربتك هذه السبع مقارع [5] خوفا من القصاص يوم القيامة. فغاظني جدا [6] فرميته فشججته، فمضى من وقته إلى ابنة عمي، فقال لها: يا مولاتي، إن الدين النصيحة، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» وأنا أعلمك أن مولاي قد تزوج [7] فأستكتمني، فلما قلت له لا بد من تعريف مولاتي [الخبر] [8] ضربني بالمقارع وشجني، فمنعتني بنت عمي من دخول الدار، وحالت بيني وبين ما فيها، ووقعنا في تخبيط، فلم أر الأمر يصلح إلا بأن طلقت المرأة التي تزوجتها! فصلح أمري مع ابنة عمي، وسمعت الغلام الناصح، ولم يتهيأ لي أن أكلمه،فقلت: أعتقه واستريح، فلعله يمضى عني، فلما عتقته لزمني وَقَالَ: الآن وجب حقك علي [1] ثم إنه أراد الحج فجهزته وزودته، وخرج فغاب عني عشرين يوما ورجع، فقلت له: لم رجعت؟ فقال: قطع الطريق [بي] [2] وفكرت، فإذا الله تعالى يقول: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ من اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا 3: 97 [3] وكنت غير مستطيع، وفكرت فإذا حقك أوجب فرجعت. ثم إنه أراد الغزو [3] فجهزته/، فلما غاب عني بعت كل ما أملك بالبصرة [من عقار وغيره] [4] وخرجت عنها خوفا من [5] إن يرجع.
[قَالَ الدارقطني أبو العيناء ليس بقوي في الحديث] [6] .
أَخْبَرَنَا يحيى بن علي المدبر، أَخْبَرَنَا أبو بكر علي بن مُحَمَّد الخياط، أَخْبَرَنَا الحسين بن الحسن بن حمكان قَالَ: حدثني أبو عَبْد اللَّهِ مُحَمَّد بن إبراهيم البصري قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن يحيى الصولي قَالَ: دخلت على أبي العيناء في آخر عمره، وقد كف بصره، فسمع صرير قلمي على الدفتر قَالَ: من هذا؟ قلت: عبدك وابن عبدك مُحَمَّد بن يحيى الصولي! قَالَ: بل ولدي وابن أخي قَالَ: ما تكتب؟ فقلت: جعلني الله فداءك أكتب [7] شيئا من النحو والتصريف، فقال: النحو في الكلام كالملح في الطعام [8] ، فإذا أكثرت منه صارت القدر زعاقا، يا بني إذا أردت أن تكون صدرا في المجالس فعليك بالفقه ومعاني القرآن، وإذا أردت أن تكون منادما للخلفاء وذوي المروءة [والأدباء] [9] فعليك بنتف الأشعار وملح الأخبار.
قَالَ المصنف: [10] أقام أبو العيناء ببغداد مدة طويلة، ثم خرج يريد البصرة،فركب في سفينة فيها ثمانون نفسا، فغرقت فلم [1] يسلم منهم غيره، فلما وصل إلى البصرة مات.






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید