المنشورات

إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم بن بشير بن عَبْد اللَّهِ بن ديسم، أبو إسحاق الحربي

أصله من مرو، ولد سنة ثمان وتسعين ومائة، وسمع أبا نعيم [9] ، وعفان بن مسلم، [وعلي بن الجعد] [1] ، وأحمد بن حنبل وخلقا كثيرا. روى عنه: ابن صاعد [2] ، وابن أبي داود [3] ، وابن الأنباري [4] ، وغيرهم.
وكان إماما في العلم، غاية في الزهد [5] ، عارفا بالفقه، بصيرا بالأحكام، ماهرا في علم الحديث، قيما بالأدب واللغة. وصنف كتبا كثيرة.
وَقَالَ [6] الدارقطني: إبراهيم الحَرْبيّ إمام مصنف [7] ، عالم بكل شيء بارع في كل علم، صدوق، كان يقاس بأحمد بن حنبل في زهده وعلمه وورعه.
وَقَالَ إبراهيم الحربي: كان أخوالي نصارى، وأمي تغلبية، وصحبت قوما من الكرخ [8] على سماع الحديث، فسموني الحربي، لأن عندهم من جاز القنطرة العتيقة [9] من الحربية.
أخبرنا أبو منصور القزاز قال [10] : أخبرنا أحمد بن على بن ثابت، قَالَ: أخبرني الجوهري [11] / قَالَ: [12] أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن العباس الخزاز، قَالَ: سمعت أبا عمر اللغوي يقول: سمعت ثعلبا، يقول: ما فقدت إبراهيم الحربي من مجلس نحو أو لغة خمسين سنة.
[أنبأنا القزاز، أَنْبَأَنَا الخطيب، قَالَ: حدثني الأزهري، قَالَ: سمعت أبا سعد عَبْد الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّد] [1] الإستراباذي يقول: سمعت أبا أَحْمَد بن عدي، يقول: سمعت أبا عمران الأشيب، يقول: قَالَ رجل لإبراهيم الحربي: كيف قويت على جمع [2] هذه الكتب؟ فغضب وقَالَ: بلحمي ودمي، بلحمي [3] ودمي!! أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر بْن ثابت، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد العزيز بْن علي الوراق، قَالَ: حَدَّثَنَا علي بن عَبْد اللَّهِ بن جهضم، قَالَ: حَدَّثَنَا الخلدي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بن عَبْد اللَّهِ بن خالد بن ماهان، قَالَ: سمعت إبراهيم بن إسحاق يقول: أجمع عقلاء كل أمة أنه من لم يجر مع القدر لم يتهنأ بعيشة، كأن يكون قميصي أنظف قميص، وإزاري أوسخ إزار، ما حدثت نفسي أنهما يستويان قط، وفرد عقبي مقطوع، والآخر صحيح [4] ، أمشي بهما [5] وادور بغداد كلها، هذا الجانب، وذاك الجانب [6] ، لا أحدث نفسي أن أصلحها [7] . وما شكوت إلى أمي، ولا إلى أختي [8] ، ولا إلى امرأتي، ولا إلى بناتي قط حمى وجدتها.
[وكان يَقُولُ] [9] : الرجل [هو] [10] الذي يدخل غمه على نفسه ولا يغم عياله.
وكان بي [11] شقيقة خمسا وأربعين سنة ما أخبرت بها أحدا قط، ولي عشر سنين أبصر بفرد عين ما أخبرت بها أحدا [1] قط، [2] وأفنيت من عمرى ثلاثين سنة برغيفين، إن جاءتني بهما أمي أو أختي أكلت، وإلا بقيت جائعا عطشان إلى الليلة الثانية، وأفنيت ثلاثين سنة من عمري برغيف في اليوم والليلة، إن جاءتني امرأتي أو إحدى بناتي به أكلت [3] والا بقيت جائعا عطشان إلى الليلة الأخرى، والآن آكل نصف/ رغيف وأربع عشرة تمرة إن كانت برنيا، أو نيفا وعشرين إن كانت دقلا، ومرضت ابنتي فمضت امرأتي [فأقامت] [4] عندها شهرا، فقام إفطاري في هذا الشهر بدرهم ودانقين ونصف، ودخلت الحمام واشتريت لهم صابونا بدانقين [5] ، وكانت نفقة رمضان [6] [كله] [7] بدرهم وأربعة دوانيق ونصف.
أخبرنا عَبْد الرحمن بن محمد، قال [8] : أخبرنا أحمد بْنِ عَلِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أبي الفتح، قَالَ: أَخْبَرَنَا عمر بن أَحْمَد بن هارون المقرئ، أن أبا القاسم [بن بكير] [9] حدثه، قَالَ: سمعت إبراهيم الحربي يقول: ما كنا نعرف من هذه الأطبخة شيئا [10] ، كنت أجيء من عشي إلى عشي، وقد هيأت لي أمي باذنجانة مشوية، أو لعقة بن [11] ، أو باقة فجل.
قال عمر: سمعت أبا على الخراط قَالَ [12] : كنت يوما جالسا [13] مع إبراهيم [الحربي] [1] على باب داره، فلما أن أصبحنا قَالَ لي: يا أبا علي، قم إلى شغلك فإن عندي فجلة قد أكلت البارحة حضرتها أقوم أتغذى بجزرتها.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ [بْنُ مُحَمَّدِ] [2] الْقَزَّازِ [3] ، قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قَالَ: أخبرني أبو نصر: أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ القاضي [4] ، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو بكر: أَحْمَد بن مُحَمَّد بن إسحاق السني، قَالَ: سمعت أبا عثمان الرازي يقول: جاء رجل من أصحاب المعتضد إلى إبراهيم الحربي بعشرة آلاف درهم من عند المعتضد، يسأله عن أمر أمير المؤمنين [5] تفرقة ذلك، فرده فانصرف الرسول، ثم عاد فقال [6] [له] : إن أمير المؤمنين يسألك أن تفرقه في جيرانك، فقال: عافاك الله، هذا مال لم نشغل أنفسنا بجمعه، فلا نشغلها بتفرقته، قل لأمير المؤمنين إن تركتنا والا تحولنا من جوارك.
أخبرنا/ عَبْد الرحمن [بن محمد] [7] ، قال: أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي الأزهري، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن إبراهيم بن الحسن، قَالَ: حدّثنا أحمد بن مروان، قال: أخبرنا [8] أبو القاسم بن الجبلى، قَالَ: اعتل إبراهيم الحربي علة حتى أشرف على الموت، فدخلت إليه يوما، فقال لي: يا أبا القاسم، أنا في أمر عظيم [9] مع ابنتي، ثم قَالَ لها: قومى اخرجي إلى عمك، فخرجت فألقت على وجهها خمارها، فقال: إبراهيم هذا عمك فكلميه، فقالت [لِي] [10] : يا عم نحن في أمر عظيم، لا في الدنيا ولا في الآخرة، الشهر والدهر ما لنا طعام إلا كسر يابسة وملح، وربما عدمنا الملح، وبالأمس [قد] [1] وجه إليه المعتضد مع بدر ألف دينار فلم يأخذها، ووجه إليه فلان وفلان فلم يأخذ منهما شيئا وهو عليل. فالتفت الحربي إليها وتبسم [2] وَقَالَ: يا بنية إنما خفت الفقر؟ قالت: نعم! قَالَ: انظري إلى تلك الزاوية، فنظرت [3] فإذا كتب، فقال: هناك اثنا عشر ألف جزء لغة وغريب كتبتها بخطي، إذا مت فوجهي كل يوم بجزء فبيعيه بدرهم، فمن كان عنده اثنا عشر ألف درهم ليس بفقير.
قال مُحَمَّد بن عَبْد اللَّهِ الكاتب: كنت يوما عند المبرد فأنشد [4] :
جسمي معي غير أن الروح عندكم ... فالجسم في غربة والروح في وطن
فليعجب الناس منى أن لي بدنا ... لا روح فيه ولى روح بلا بدن
وأنشد ثعلب [5] :
غابوا فصار الجسم من بعدهم ... لا تنظر العين [6] له فيا
بأي وجه أتلقاهم ... إذا رأوني بعدهم حيا؟
يا خجلتي منهم ومن قولهم [7] ... ما ضرك الفقد لنا شيئا
/ قال: فأتيت [إبراهيم] [8] الحربي فأنشدته، فقال: ألا أنشدته:
يا حيائي ممن أحب إذا ما ... قَالَ بعد الفراق [9] أنى حييت
وقال الحسن بن زكريا العدوى: أنشدني إِبْرَاهِيم الحربي:
أنكرت ذلي فأي شيء ... أحسن من ذلة المحب؟
أليس شوقي وفيض دمعي ... وضعف جسمي شهود حبي؟
أخبرنا القزاز، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَد بن عَلِيّ بْن ثابت [1] ، قَالَ: حدثني عبد الغفار بن عبد الواحد الأرموي، قَالَ: سمعت أبا يعلى الْحَافِظ [2] ، يقول: سمعت [حمزة] [3] بن مُحَمَّد العلوي، يقول: سمعت عيسى بن مُحَمَّد الطوماري، يقول:
دخلنا على إبراهيم الحربي- وهو مريض- وقد كان يحمل ماؤه إلى الطبيب وكان يجيء إليه ويعالجه، فجاءت الجارية فردت الماء وقالت: مات الطبيب [4] ، فبكى وأنشأ يقول:
إذا مات المعالج من سقام ... فيوشك للمعالج أن يموتا
أخبرنا القزاز، قال: أخبرنا أحمد بن علي [بن ثابت] [5] قال: حدثني الحسن بن أبي طالب، قَالَ: حَدَّثَنَا عمر بْن أَحْمَد الواعظ، قَالَ: حَدَّثَنَا على بن الحسن البزاز، قَالَ: سمعت إبراهيم الحربي يقول وقد دخل عليه قوم يعودونه، فقالوا: كيف تجدك؟
فقال: أجدني كما قَالَ الشاعر:
دب في البلاء علوا وسفلا [6] ... واراني أموت عضوا فعضوا [7]
ذهبت [8] جدتي بطاعة نفسي ... فتذكرت طاعة الله نضوا
توفى إبراهيم الحربي يوم الأثنين لتسع [ليال] بقين من ذي [9] الحجة، ودفن يوم الثلاثاء لثمان بقين من ذي الحجة سنة خمس وثمانين/ [ومائتين] وصلى عليه يوسف بن يعقوب القاضي في شارع باب الأنبار، وكان الجمع كثيرا جدا ودفن في بيته.







مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید