المنشورات

مُحَمَّد بن يزيد بن عبد الأكبر، أبو العباس الأزدي الثمالي- وثمالة قبيلة من الأزد- المعروف بالمبرد.

[له المعرفة التامة باللغة، وكان في نحو البصريين آية] [1] ولد سنة عشر ومائتين، وقيل: سنة ست ومائتين [2] وذكر ابن المرزبان أنه سئل: لم سميت المبرد؟ فقال: كان سبب ذلك أن صاحب الشرطة طلبني للمنادمة فكرهت الذهاب إليه، فدخلت على أَبِي حاتم السجستاني، فجاء رسول صاحب الشرطة [3] يطلبني [4] ، فقال لي أبو حاتم:
ادخل [في هذا] [5] يعنى غلاف المزملة فارغ، فدخلت فيه وغطى رأسه ثم خرج إلى الرسول، فقال أبو حاتم للرسول: ليس هو عندي، فقال: أخبرت أنه دخل إليك، فقال:
فأدخل الدار ففتشها. فدخل فطاف كل موضع من الدار ولم يفطن بغلاف المزملة، ثم خرج فجعل أبو حاتم/ يصفق بيديه وينادي على المزملة: المبرد المبرد، وتسامع الناس ذلك فلهجوا به. وللمبرد المعرفة التامة باللغة، وهو أوحد في نحو البصريين.
و [6] روى عن المازني، وأبى حاتم، وغيرهما. وكان موثوقا به في الرواية، وكان بينه وبين ثعلب مفارقة [7] .
أخبرنا عَبْد الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّد، قَالَ: أخبرنا أَحْمَد بْن عَلِيّ الخطيب [8] ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا الجوهري، قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن العباس، قَالَ: أنشدنا مُحَمَّد بن المرزبان لبعض أصحاب المبرد يمدحه:
بنفسي أنت يا ابن يزيد من ذا ... يساوى ثعلبا بك غير قين [9]
إذا مازتكما العلماء يوما ... رأت شأويكما متفاوتين [10]
تفسر كل معضلة [1] بحذق ... ويستر [2] كل واضحة بعين
كأن الشمس ما تمليه شرحا ... وما يمليه همزة بين بين
توفى المبرد في هذه السنة.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّد العتيقي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن الحسين بن عمر التميمي [3] ، قَالَ: أنشدنا أَحْمَد بن مروان المالكي، قَالَ: أنشدني بعض أصحابنا لثعلب بن المبرد حين مات:
مات المبرد وانقضت أيامه ... وسينقضي [4] بعد المبرد ثعلب
بيت من الآداب أصبح نصفه ... خربا وباقي نصفه فسيخرب [5]
قَالَ المصنف [6] : هذا [قدر] ما روى لنا من هذه الطريق، وأنها لثعلب، وقد روى لنا من طريق آخر أنها للحسين بن علي المعروف بابن العلاف، قالها يرثي المبرد [ويمدح ثعلبا، وهي] [7] :
مات المبرد وانقضت أيامه ... وليذهبن مع المبرد ثعلب
بيت من الآداب أصبح نصفه ... خربا وباقى بيته فسيخرب
فابكوا لما سلب الزمان ووطنوا ... للدهر أنفسكم على ما يسلب
غاب المبرد حيث لا ترجونه ... أبدا ومن ترجونه فمغيب/
شملتكم أيدي الردى بمصيبة ... وتوعّدت بمصيبة تترقب [8]
فتزودوا من ثعلب فبكاس ما ... شرب المبرد عن قليل يشرب
وأرى لكم أن تكتبوا [1] أنفاسه ... إن كانت الأنفاس [2] مما يكتب
فليلحقن بمن مضى متخلف ... من بعده وليذهبن ونذهب [3]
قال المبرد: خرجت ومعي أصحاب لي نحو الرقة، فإذا نحن بدير كبير، فأقبل إلي بعض أصحابي [فقال] : مل بنا إلى هذا الدير لننظر من فيه، ونحمد الله سبحانه وتعالى على ما رزقنا من السلامة، فلما دخلنا الدير رأينا مجانين مغللين [4] ، [وهم] في نهاية القذارة وإذا بينهم شاب [عليه بقية ثياب] [5] ناعمة، فلما بصر بنا قَالَ: من أين أنتم يا فتيان حياكم الله؟ فقلنا: من العراق، فقال: يا بأبي العراق وأهلها! باللَّه أنشدوني- أو أنشدكم- فقال المبرد: والله إن الشعر من هذا لظريف، فقلنا: أنشدنا، فأنشأ يقول:
الله يعلم أنني كمد ... لا استطيع أبث ما أجد
روحان لي روح تضمنها ... بلد [6] وأخرى حازها بلد
وأرى المقيمة ليس ينفعها ... صبر ولا يقوى لها جلد
وأظن غائبتي كشاهدتي ... بمكانها تجد الذي أجد
قَالَ المبرد [والله] إن هذا لظريف، باللَّه زدنا، فأنشأ يقول:
لما أناخوا قبيل الصبح عيرهم ... ورحلوها فثارت بالهوى الابل
وأبرزت من خلال السجف ناظرها ... ترنو إلى ودمع العين منهمل [7]
وودعت ببنان عقدها عنم ... ناديت لا حملت رجلاك يا جمل
ويلي من البين ماذا حل بي وبهم ... من نازل البين حان البين وارتحلوا [8]
يا راحل العيس عجل كي أودعهم ... يا راحل العيس في ترحالك الأجل
إنى على العهد لم أنقض مودتهم [1] ... فليت شعري لطول [2] العهد ما فعلوا
[قَالَ المبرد] [3] فقال رجل من البغضاء الذين معى: ماتوا! قَالَ: إذن فأموت؟
فقال له: إن شئت [فمت] [4] فتمطى واستند إلى السارية التي كان مشدودا فيها [ومات] [5] ، فما برحنا حتى دفناه.
[وتوفي المبرد في هذه السنة] [6] .




مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید