المنشورات

خلافة المكتفي باللَّه

واسمه عَلي بْن المعتضد، ويكنى أبا مُحَمَّد، وليس في الخلفاء من يكنى أبا مُحَمَّد إلا الحسن بن علي و [موسى [2]] الهادي، والمكتفي، والمستضيء بأمر الله، ولا من اسمه عَلي غير عَلي بْن أبي طالب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ والمكتفي.
ولد في رجب سنة أربع وستين، وَكَانَ المعتضد لما اشتدت علته أمر بأخذ البيعة لابنه عَلي بالخلافة من بعده، فأخذت البيعة بذلك على الناس ببغداد [3] . في عشية يوم الجمعة [4] لإحدى عشرة بقيت من ربيع الآخر من هذه السنة [قبل موت المعتضد بأربعة أيام] [5] ، ثم جددت له البيعة صبيحة الليلة التي مات المعتضد [6] فيها، وَكَانَ المكتفي بالرقة، فلما بلغه الخبر أخذ البيعة على من عنده، ثم انحدر إلى بغداد.
وأم المكتفي تركنية لم تدرك خلافته ويقال لها حيحق [1] . وَكَانَ ربعة جميلا، رقيق اللون، حسن الشعر، وافر اللحية عريضها، وهنأه رجل فَقَالَ:
أجل الرزايا أن يموت إمام ... وأسنى العطايا أن يقوم إمام
فأسقي الذي مات الغمام وجاده ... ودامت تحيات له وسلام
وأبقى الذي قام الإله وزاده ... مواهب لا يفنى [2] لهن دوام
وتمت له الآمال واتصلت بها ... فوائد موصول بهن تمام
هو المكتفي باللَّه يكفيه كل ما ... عناه بركن منه ليس يرام
وَكَانَ المكتفي يقول الشعر، قَالَ الصولي: أنشدنا لنفسه:
إنى كلفت فلا تلحوا بجارية ... كأنها الشمس بل زادت [3] على الشمس
لها من الحسن أعلاه فرؤيتها [4] ... سعدي وغيبتها عن مقتلي نحسي
ومن شعره [5] :
من لي بأن يعلم ما ألقى ... فيعرف الصبوة والعشقا
ما زال عبدا لي [6] وحبي له ... صيرني عبدا له حقا [7]
أعتق من رقى ولكنني ... من حبه لا أملك العتقا
أَخْبَرَنَا عبد الرحمن بْن مُحَمَّد، قال: أخبرنا أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي الأزهري، قَالَ حَدَّثَنَا: أَحْمَد بْن إبراهيم، [حدثنا إبراهيم [8]] بن محمد بن عرفة قَالَ: كَانَ المكتفي باللَّه حين مات أبوه [المعتضد [1]] ، بالرقة فكتب إليه بوفاته، فشخص نحو العراق فوافى مدينة السلام يوم الاثنين لثمان خلون من جمادى الأولى سنة تسع وثمانين ومائتين [2] ، وصار في الماء إلى القصر الحسني، ومر بالجيش على الظهر [على غير تعبئة، وقد كَانَ الجند تحركوا قبل موافاته مدينة السلام [3]] فوضع الْقَاسِم بْن عُبَيْد اللَّهِ فيهم العطاء، وأخذ عليهم البيعة، وَكَانَ في بيت المال يومئذ عشرة آلاف ألف دينار وجوهر قيمته عشرة آلاف [4] ألف دينار، غير الآلات والخيل [5] ، وَكَانَ سن المكتفي يوم بويع له خمسا وعشرين سنة وعشرين يوما [6] ووزر له الْقَاسِم بْن عُبَيْد اللَّهِ، ثم العباس بْن الحسن، وَكَانَ القاضي يوسف بن يعقوب وابنه محمد بن يُوسُف.
وَكَانَ نقش خاتمه: «عَلي يتوكل على ربه» .
وَكَانَ له من الولد: مُحَمَّد، وجعفر، وعبد الصمد، وموسى، وعبد الله، وهارون، والفضل، وعيسى، والعباس، وعبد الملك.
وفي أيامه فتحت أنطاكية، وَكَانَ الروم قد استولوا عليها [7] ، فلما فتحت استنقذ من المسلمين أربعة آلاف رجل، وقتل من أهلها خمسة آلاف. وأصاب كل مسلم من هذه الوقعة [8] ثلاثة آلاف دينار، وظفر للروم بستين مركبا عملوها للغزو.
أَخْبَرَنَا الْقَزَّازُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر الخطيب، قَالَ: كانت صلاة الجمعة ببغداد لا تقام إلا في جامع المنصور، وجامع المهدي إلى أن استخلف المعتضد، وأمر بعمارة القصر الحسني، وأمر ببناء مطامير في الدار، وكان الناس يصلون الجمعة في الدار، وليس هناك [رسم] [1] للمسجد إنما يؤذن للناس [2] في الدخول وقت الصلاة، ويخرجون عند انقضائها، فلما استخلف المكتفي في هذه السنة نزل القصر، وأمر بهدم المطامير، وأن يجعل موضعها مسجدا جامعا، فاستقرت الصلاة في الجوامع الثلاثة إلى وقت خلافة المتقي [3] ، وفي يوم دخول المكتفي إلى القصر الحسني أمر بإحضار [4] الْقَاسِم بْن عُبَيْد اللَّهِ، وخلع عليه ست خلع، وقلده سيفا، وحمل [5] على فرس لجامه [وسرجه] [6] من ذهب.
وفي رجب من هذه السنة زلزلت بغداد، ودامت الزلزلة بها أياما وليالي كثيرة.
وفى هذه السنة ظهر أقوام من القرامطة [7] ، وانتشروا في البلدان [8] وقطعوا طريق الحاج، وتسمى أحدهم بأمير المؤمنين، وأنفق المكتفي الأموال الكثيرة في حربهم حتى استأصلهم [9] .
وفى اليوم التاسع من ذي الحجة صلى الناس العصر ببغداد في ثياب الصيف فهبت ريح وبرد الهواء حتى احتاج الناس إلى الاصطلاء بالنار، ولبس المحشو، وجعل البرد يزداد حتى جمد الماء [10] .
وحج بالناس في هذه السنة [1] الفضل بْن عبد الملك الهاشمي.




 

مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید