المنشورات

عبد الحميد بْن عبد العزيز، أَبُو خازم

القاضي الحنفي، أصله من البصرة وسكن بغداد، وحدث عن بندار [3] ، ومحمد بْن المثنى وغيرهما. ولي القضاء بالشام والكوفة وبغداد، وَكَانَ عالما ورعا [ثقة] [4] قدوة في العلوم غزير العقل والدين [5] .
أَخْبَرَنَا عبد الرحمن بْن مُحَمَّد، قَالَ: أخبرنا [أبو بكر] [6] أحمد بن علي بن ثابت، قَالَ: أَخْبَرَنَا علي بْن المحسن، أَخْبَرَنَا طلحة بْن مُحَمَّد بْن جعفر، قَالَ: أخبرني أَبُو الحسين عبد الواحد بْن مُحَمَّد الخصيبي، قال: قال [لي] [7] ابن حبيب الذارع: كنا ونحن أحداث مع أبي خازم وكنا نقعده قاضيا [8] ونتقدم إليه في الخصومات [9] . قَالَ:
فما مضت الأيام والليالي حتى صار قاضيا.
قَالَ أَبُو الحسين: وبلغ من شدته في الحكم أن المعتضد وجه إليه بطريف المخلدي، فقال له: إن لي على الضيعي بيعا وَكَانَ للمعتضد ولغيره مال، وقد بلغني أن غرماءه أثبتوا عندك، وقد قسطت لهم من ماله، فاجعلنا كأحدهم. فَقَالَ له أَبُو خازم: قل له: أمير المؤمنين- أطال الله بقاءه- ذاكر لما قَالَ لي وقت ما قلدني [أنه قد] [1] أخرج الأمر من عنقه، وجعله في عنقي، ولا يجوز لي أن أحكم في مال رجل لمدع إلا ببينة.
فرجع إليه طريف فأخبره، فَقَالَ: قل له فلان وفلان يشهدان- يعنى رجلين جليلين كانا في ذلك الوقت- فَقَالَ: يشهدان عندي وأسال عنهما، فإن زكيا قبلت شهادتهما، وإلا أمضيت ما ثبت عندي، فامتنع أولئك من الشهادة فزعا ولم يدفع إلي المعتضد شيئا.
وأخبرنا أَبُو مَنْصُورٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ [بْنُ مُحَمَّدٍ] [2] ، قَالَ: أخبرنا أحمد بْن عَلي، قَالَ: أَخْبَرَنَا التنوخي، قَالَ: أخبرني أبي، قَالَ: حدثني عَلي بْن هشام بْن عبد الله الكاتب، قَالَ: حدثني أبي [3] ، قَالَ: حدثني وكيع القاضي، قَالَ: كنت أتقلد لأبي خازم وقوفا في أيام المعتضد منها وقوف الحسن بْن سهل، فلما استكثر المعتضد من عمارة القصر الحسني أدخل إليه بعض وقوف الحسن بْن سهل التي كانت مجاورة للقصر، وبلغت السنة [4] [إلى آخرها] [5] وقد جبيت مالها إلا ما أخذه المعتضد، فجئت إلى أبي خازم فعرفته اجتماع مال السنة، واستأذنته في قسمته في سبيله [6] ، فَقَالَ لي: فهل جبيت ما على أمير المؤمنين؟ فقلت له: ومن يجسر على مطالبة الخليفة؟ فَقَالَ: والله لا قسمت الارتفاع أو تأخذ ما عليه، والله لئن لم يزح العلة [7] لا وليت له عملا، ثم قَالَ:
امض إليه الساعة فطالبه، فقلت: من يوصلني؟ فقال: امض إلى صافي الحرمي [8] ، وقل له إنك رسولي أنفذتك في مهم [9] ، فإذا ما قلت لك [10] .
فجئت فقلت لصافي ذلك، فأوصلني وَكَانَ آخر النهار، فلما مثلت بين يدي الخليفة ظن أن أمرا عظيما قد حدث، وَقَالَ: هيه قل [1] ، كأنه متشوف. فقلت له: إنى ألي لعبد الحميد قاضي أمير المؤمنين وقوف الحسن بْن سهل، وفيها ما [قد] [2] أدخله أمير المؤمنين إلى قصره، ولما جبيت مال هذه السنة امتنع من تفرقته إلا أن أجيء بما على أمير المؤمنين، وأنفذني الساعة قاصدا لهذا السبب، وأمرني أن أقول إني حضرت في مهم لأصل، قَالَ: فسكت ساعة مفكرا، ثم قَالَ: أصاب عبد الحميد [3] ، يا صافي هات الصندوق، فاحضر صندوقا لطيفا فَقَالَ: كم يجب لك؟ فقلت: الذي جبيت عام أول من ارتفاع هذه العقارات أربعمائة دينار، فَقَالَ: فكيف حذقك بالنقد [4] والوزن؟ قلت:
أعرفهما، قال: هاتوا ميزانا، فجيء بميزان، وأخرج من الصندوق دنانير عينا [5] ، فوزن لي منها أربعمائة دينار، فقبضتها وانصرفت إلى أبي خازم بالخبر، فَقَالَ: أضفها إلى ما [قد] [6] اجتمع [من مال] [7] الوقف عندك وفرقة في غد فِي سبله [8] ولا تؤخر ذلك، ففعلت، وكثر شكر الناس لأبي خازم بهذا السبب وإقدامه على الخليفة بمثل ذلك، وشكرهم للمعتضد في إنصافه.
أخبرنا عبد الرحمن، قال: أخبرنا أحمد [بن عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ] [9] ، قَالَ: أَخْبَرَنَا التنوخي، [قَالَ: حدثني أبي] [10] قَالَ،: حدثني أَبُو الفرج (طاهر- أ) [11] بن محمد الصلحي، قَالَ: حدثني القاضي أَبُو طاهر مُحَمَّد بن أحمد بن عبد الله بن نصر، قَالَ:
بلغني أن أبا خازم القاضي جلس في الشرقية وهو قاضيها للحكم، فارتفع إليه خصمان، فاجترأ أحدهما بحضرته إلى ما يوجب التأديب، فأمر بتأديبه [1] ، فأدب فمات في الحال، فكتب إلى المعتضد من المجلس: أعلم أمير المؤمنين أطال الله بقاءه أن خصمين حضراني فاجترأ أحدهما إلى ما وجب عليه معه الأدب عندي، فأمرت بتأديبه فأدب [2] فمات، فإذا كَانَ المراد بتأديبه مصلحة المسلمين فمات في الأدب فديته واجبة [3] في بيت مال المسلمين، فإن رأى أمير المؤمنين [أطال الله بقاءه] [4] أن يأمر بحمل الدية لأحملها إلى ورثته فعل. فعاد الجواب إليه بأنا [قد] [5] أمرنا بحمل الدية إليك [6] ، وحمل إليه عشرة آلاف درهم، فأحضر ورثة المتوفى ودفعها إليهم.
أَخْبَرَنَا عبد الرحمن [بْن محمد] [7] ، قال: أخبرنا أحمد بن علي، قال: ذكر لي الحسين بْن عَلي الصيمري، قَالَ: كَانَ عُبَيْد اللَّهِ بْن سليمان قد خاطب أبا خازم في بيع ضيعة ليتيم تجاور بعض ضياعه [8] ، فكتب إليه: إن رأى الوزير أعزه الله [9] أن يجعلني أحد رجلين: إما رجل صين الحكم به، أو رجل [10] صين الحكم عنه.
أَخْبَرَنَا [11] مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْبَزَّارُ، قَالَ: أخبرنا [12] علي بن المحسن التنوخي، عن أبيه، قَالَ: حدثنا أَبُو الحسين عَلي بْن هشام، قَالَ: سمعت القاضي أبا جعفر أَحْمَد بْن إسحاق بْن البهلول [1] التنوخي، يحدث أبي، قَالَ: حدثني أَبُو خازم القاضي، قَالَ: كَانَ في حجري أيتام ذكور وإناث خلفهم بعض العمال ورددت أمانتهم إلى بعض الشهود، فصار إلى الأمين يوما وعرفني أن عامل المستغلات ببغداد الذي يتولى مستغلات السلطان وعامل بادوريا/ قد أدخلا أيديهما في أملاك الأيتام، وذكرا أن الوزير عُبَيْد اللَّهِ بْن سليمان أمرهما بذلك عن أمر أمير المؤمنين المعتضد [2] ، فصرت إلى المعتضد في يوم موكب [3] ، فلما انقضى الموكب [4] دنوت منه وشرحت له الصورة [5] ، فقال [لي] [6] : يا عبد الحميد هذا عامل قد [7] خانني في مالي واقتطعه ولي عليه مال جليل من نواح كَانَ يتولاها من ضيعتي خاصة وما لي عليه يضعف هذه الأملاك التي خلفها، فقلت: يا أمير المؤمنين ما تدعيه عليه يحتاج إلى بينة، وقد صح عندي أن هذه الأملاك أملاكه يوم مات، ولا طريق إلى انتزاعها من يد وارثه إلا ببينة، هذا حكم الله في البالغين، فكيف في الأطفال؟ قَالَ: فسكت ساعة [8] مطرقا، ثم دعا بداوة، ووقع بخطه إلى عُبَيْد اللَّهِ بْن سليمان بالافراج عن الضياع.
أنبأنا مُحَمَّد بْن أبي طاهر، أنبأنا عَلي بْن [المحسن، عن أبيه، قَالَ: حدثني [9]] الحسين بْن عياش القاضي، عمن حدثه إنه كَانَ يساير أبا خازم القاضي في طريق فمر عَلَيْهِ رجل [10] فَقَالَ: أحسن الله جزاءك أيها القاضي في تقليدك فلانا القضاء ببلدنا، فإنه عفيف، فصاح عليه أَبُو خازم، وَقَالَ: اسكت عافاك الله تقول في قاض أنه عفيف! هذا من صفات أصحاب الشرطة [1] ، والقضاة فوقها.
قَالَ: ثم سرنا وهو واجم ساعة، فقلت: ما لك يا أيها القاضي؟ فَقَالَ: ما ظننت أني أعيش حتى أسمع هذا، ولكن [قد] [2] فسد الزمان وبطلت هذه الصناعة، ولعمري لقد دخل فيها من يحتاج الفاضل معه إلى التقريظ، وما كَانَ الناس يحتاجون [إلى] [3] أن يقولوا: فلان القاضي عفيف حتى تقلد فلان- وذكر رجلا، وَقَالَ: لا أحب أن أسميه- فقلت: من هذا الرجل؟ فامتنع [4] فألححت عليه، فأومأ إلى أبي عمر.
توفي أَبُو خازم في هذه السنة، وذكر بعض علماء النقل أنه دفن بالكوفة [5] .






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید