المنشورات

عبد الله بْن المعتز [باللَّه]

واسم المعتز مُحَمَّد بْن جعفر المتوكل، ويكنى عبد الله أبا العباس. ولد في شعبان سنة سبع وأربعين ومائتين، وكان غزير الأدب، بارعا في الفضل، مليح الشعر. سمع المبرد وثعلبا وغيرهما وله كلام في الحكمة عجيب [1] ، كَانَ يقول: «أنفاس الحي خطاه إلى أجله» . «ربما أورد الطمع ولم يصدر» ، «ربما شرق شارب الماء قبل ريه» ، «من تجاوز الكفاف لم يغنه الإكثار» ، و «كلما عظم قدر المنافس فيه عظمت الفجيعة به» ، و «من أرحله الحرص [2] أنضاه الطلب» ، و «الحظ يأتي من لا يأتيه» ، «وأشقى الناس أقربهم من السلطان كما أن أقرب الأشياء إلى النار أسرعها احتراقا» [3] ، و «من شارك السلطان في عز الدنيا شاركه في ذل الآخرة» ، «أهل الدنيا ركب يسار بهم وهم نيام» ، «الحرص ينقص من قدر الإنسان ولا يزيد في حظه» ، «يشفيك من الحاسد إنه يغتنم وقت سرورك» ، «الفرصة سريعة الفوت بعيدة العود» [4] ، «الجود حارس الأعراض» ، «الأسرار إذا كثر خزانها ازدادت ضياعا» ، «البلاغة بلوغ المعنى» [ولما يطل سفر الكلام [5]] ، «ذل العزل يضحك من تيه الولاية» ، «الجزع أتعب من الصبر» ، «تركة الميت عزاء للورثة عنه» [6] ، «لا تشن [7] أوجه العفو بالتقريع» ، [8] [ «من أظهر عداوتك فقد أنذرك» .
أخبرنا القزاز، قال، أخبرنا أحمد بن علي بْن ثَابِت، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد بن الحسين العكبريّ، قال: حدثنا أَبُو مُحَمَّد الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن يحيى المقرئ، قَالَ: حدثني عثمان بْن عيسى بْن [هارون [9]] الهاشمي، قَالَ: كنت عند عَبْد اللَّه بْن المعتز [10] ، وَكَانَ قد كتب أَبُو أَحْمَد بن المنجم إلى [أخيه] [11] أبي القاسم رقعة يدعوه فيها، فغلط الرسول فجاء فأعطاها ابن المعتز [باللَّه] [1] وأنا عنده، فقرأها وعلم أنها ليست إليه، فقلبها وكتب:
دعاني الرسول ولم تدعني ... ولكن لعلي أَبُو الْقَاسِم
فأخذ الرسول الرقعة ومضى وعاد عن قريب وإذا فيها مكتوب:
أيا سيدا [2] قد غدا مفخرا ... لهاشم [3] إذ هو من هاشم
تفضل وصدق خطاء الرسول ... تفضل مولى على خادم
فما أن تطاق إذا ما جددت ... وعزلك كالشهد للطاعم [4]
فدى [لك] [5] من كل ما تتقيه ... أَبُو أَحْمَد وأبو الْقَاسِم
قَالَ: فقام ومضى إليه] [6] .
وَقَالَ أَبُو بكر الصولي: اعتل عبد الله بْن المعتز فأتاه أبوه عائدا، وَقَالَ: ما عراك يا بنى فأنشأ يقول:
أيها العاذلون لا تعذلوني [7] ... وانظروا حسن وجهها تعذروني
وانظروا هل ترون أحسن منها ... إن رأيتم شبيهها فاعذلوني
بي جنون الهوى وما بي جنون ... وجنون الهوى جنون الجنون [8]
قَالَ: فتتبع أبوه الحال حتى وقع [9] عليها فابتاع الجارية [10] التي شغف بها بسبعة آلاف دينار ووجهها إليه.
[وله:
إن الذين بخير كنت تذكرهم ... قضوا عليك وعنهم كنت أنهاكا
لا تطلبن حياة عند غيرهم ... فليس يحييك إلا من توفاكا] [1]
[ومن شعره الرائق: [2]
قل لغصن البان الذي قد ثني [3] ... تحت بدر الدجى وفوق النقا
رمت كتمان ما بقلبي فنمت ... زفرات تغشى حديث الهوا
ودموع تقول في الخد يا من ... يتباكى كذا يكون البكا
ليس للناس موضع [4] / في فؤادي ... زاد فيه هواك حتى امتلا [5]
ليت ليلا على الصراة طويلا ... لليال من سرمن را الفداء
أين مسك بمن حماه وبخور ... من بخار وصفرة من قذا
وله: [6]
من لي بقلب صيغ من صخرة ... في جسد من لؤلؤ رطب
جرحت خديه بلحظي فما ... برحت حتى اقتص من قلبي] [7]
[وله] [8]
بليت بخلان [9] هذا الزمان ... فأقللت بالهجر منهم نصيبي
وكلهم إن تصفحتهم [1] ... صديق العيان عدو المغيب
وله:
بحياتي يا حياتي ... اشربي الكأس وهاتي [2]
قبل أن يفجعنا ... الدهر ببين وشتات
لا تخونيني إذا مت ... وقامت بي نعاتي
إنما الوافي بعهدي ... من وفى بعد وفاتي
وله:
سابق إلى مالك وارثه ... ما المرء في الدنيا بلباث
كم صامت يخنق أكياسه ... قد صاح في ميزان ميراث
وله أيضا:
يا ذا الغنى والسطوة القاهرة ... والدولة الناهية الآمرة
ويا شياطين بني آدم [3] ... ويا عبيد الشهوة الفاجرة
انتظروا الدنيا فقد أقربت ... وعن قليل تلد الآخرة
وله أيضا:
أترى الجيرة الذين تداعوا ... عند سير الحبيب قبل الزوال [4]
علموا إنني مقيم وقلبي ... راحل معهم أمام الجمال
مثل صاع العزيز في أرحل القوم ... ولا يعلمون ما في الرحال
ما أعز المعشوق ما أهون العاشق ... ما اقتل الهوى للرجال
وله:
يا نفس صبرا وإلا فاهلكي جزعا ... إن الزمان على ما تكرهين بني
لا تحسبي نعما سرتك لذتها [1] ... إلا مفاتيح أبواب من الحزن
وله:
أطلت وعذبتني يا عذول ... بليت فدعني حديثي يطول
هواي هوى باطن ظاهر ... قديم حديث لطيف جليل
ألا ما لذا الليل ما ينقضي ... كذا ليل كل محب يطول
أبيت أساهر نجم الدجى ... إلى الصبح وحدي ودمعي يسيل
قَالَ مؤلف الكتاب] [2] : وقد ذكرنا أن العسكر اضطرب على المقتدر باللَّه، فخلعوه وبايعوا عبد الله بْن المعتز ثم خرج أصحاب المقتدر فخاصموا فاستتر [3] ابن المعتز [باللَّه] [4] ، وإنما كانت ولايته بعض يوم، فأخذ وسلم إلى مؤنس [5] الخادم فقتله، ووجه به إلى داره التي على الصراة، فدفن هناك وذلك في ربيع الأول من هذه السنة فرثاه عَلي بْن مُحَمَّد بْن بسام، فَقَالَ: [6]
للَّه درك من ميت فجعت به ... ناهيك في العلم والآداب والحسب
ما فيه لولا ولا ليت تنقصه [7] ... وإنما أدركته حرفة الأدب [8]
أَخْبَرَنَا أَبُو منصور القزاز، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو بَكْرٍ [أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ] بْنِ ثَابِتٍ، [9] قَالَ:
أَخْبَرَنَا الحسين بْن مُحَمَّد أخو الخلال، أَخْبَرَنَا إبراهيم بْن عبد الله الواسطي [10] قَالَ:
أنشدنا أَبُو الْقَاسِم الكريزي، قَالَ: أنشدنا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عباس لعبد الله بْن المعتز أنه قَالَ [1] في الليلة التي قتل فِي صبيحتها: [2]
يا نفس صبرا لعل الخير عقباك ... خانتك من بعد طول الأمن دنياك
مرت بنا سحرا طير فقلت لها ... طوباك يا ليتني إياك طوباك
إن كان قصدك شرقا فالسلام على [3] ... شاطئ الصراة أبلغي إن كَانَ مسراك [4]
من موثق بالمنايا لا فكاك له ... يبكى الدماء على إلف له باكي
فرب آمنة حانت منيتها ... ورب مفلتة من بين [5] أشراك
أظنه آخر الأيام من عمرى ... وأوشك اليوم أن يبكي لي الباكي [6]
قَالَ ابن قتيبة: لما أن أقاموا عبد الله [بْن المعتز] [7] إلى الجهة التي تلفت فيها أنشأ قائلا: [8]
فقل للشامتين بنا رويدا ... أمامكم المصائب والخطوب
هو الدهر الذي لا بد من أن ... يكون إليكم منه ذنوب





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید