المنشورات

أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مرزوق بْن عطية، أَبُو عبد الله بْن أبي عوف البزوري

سمع سويد بْن سعيد، وعثمان بْن أبي شيبة، وعمرو بن محمد الناقد، وخلقا كثيرا. روى عنه أبو بكر الشافعي، وابن الصواف وغيرهما. وكان ثقة عفيفا نبيلا ثبتا [2] له حال من الدنيا واسعة، وطريقة في الخير محمودة، وإليه ينسب شارع ابن أبي عوف المسلوك فيه [3] إلى نهر القلائين، وكانت له منزلة من السلطان واختصاص بعبيد الله بن سليمان الوزير، ومودة في أنفس العوام [4] .
أَخْبَرَنَا عبد الرحمن بْن مُحَمَّد، قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، أخبرنا علي بن الحسن، قال: حدثنا أبي، قال: حدثني القاضي أَبُو عمر عُبَيْد اللَّهِ بْن الحسين السمسار، قَالَ: حدثني أَبُو عَلي بْن إدريس الشاهد، قَالَ: حدثني أَبُو عبد الله بْن أبي عوف، قَالَ [: كَانَ] [5] سبب اختصاصي بعُبَيْد اللَّهِ بْن سليمان أني اجتزت يوما في جامع [المنصور] [6] بالمدينة، فوجدته وهو ملازم بثلاثمائة دينار في يد غريم له وهو في عقب النكبة [1] ، وكنت أعرف محله عن مودة [2] بيننا، فقلت له: لأي شيء أعزك الله أنت هاهنا جالس؟ فَقَالَ: ملازم في يد هذا الرجل بثلاثمائة دينار له علي. قال: فسألت الغريم إنظاره، فَقَالَ: لا أفعل، فقلت له: [فالمال] [3] لك على أن تصبر عَلي إلى بعد أسبوع [4] حتى أعطيك إياه، فَقَالَ: تعطيني خطك بذلك، فاستدعيت دواة ورقعة، وكتبت له ضمانا بذلك إلى شهر فرضي وانصرف، وقام عُبَيْد اللَّهِ/ فأخذ يشكرني، فقلت تمم أيدك الله سروري بأن تصير معي إلى منزلي، فأركبته حماري ومشيت خلفه إلى أن دخلنا داري [5] ، فأكلنا فنام، فلما انتبه أحضرته كيسا، وقلت: لعلك على إضاقة فأسألك باللَّه إلا أخذت منه ما شئت، [قَالَ] [6] : فأخذ منه دنانير وقام فخرج، فأقبلت امرأتي تلومني [7] وتوبخني، وتقول [8] : ضمنت عنه ما لا يفي به [9] ولم تقنع إلا بأن أعطيته شيئا آخر! فقلت: يا هذه فعلت جميلا وأسديت يدا جليلة [10] إلى رجل حر كريم جليل [11] من بيت، فإن نفعني الله بذلك فله قصدت، وإن تكن الأخرى لم يضع عند الله! ومضى على هذا الحديث مدة وحل الدين، وجاء الغريم يطالبني [12] ، فأشرفت على بيع عقار لي ودفع ثمنه إليه ولم استحسن [على] [13] مطالبة عُبَيْد اللَّهِ ودفعت الرجل بوعد وعدته [إياه] [1] إلى أيام، فلما كَانَ بعد يومين جاءتني رقعة عُبَيْد اللَّهِ يستدعيني فجئته، فَقَالَ: وردت على غليلة من ضيعة لي [أفلتت من البيع في النكبة] [2] ومقدار ثمنها مقدار ما ضمنته عني فتأخذها فتبيعها وتصحح ذلك للغريم، فقلت: أفعل [3] ، فحمل الغلة إلي فبعتها، وحملت الثمن بأسره إليه وقلت: أنت مضيق وأنا أدفع الغريم وأعطيه البعض من عندي [فاتسع أنت بهذا، فجهد أن آخذ منه شيئا فحلفت أن لا أفعل ووفرت الثمن عليه، وجاء الغريم فأعطيته البعض من عندي] [4] ودفعت به مديدة ولم يمض على ذلك إلا يسير حتى ولي عبيد الله الوزارة فأحضرني من يومه [5] ، وقام إلي من مجلسه، وجعلني في السماء فكسبت به من الأموال [6] هذه النعمة التي أنا فيها.
قَالَ عَلي بْن المحسن: وذكر أَبُو الحسن أَحْمَد بْن يُوسُف بْن يعقوب [بْن إسحاق] [7] بْن بهلول أن أباه حدثه، قَالَ: خرجت من حضرة عُبَيْد اللَّهِ بْن سليمان في وزارته أريد الدهليز، فخرج ابن أبي عوف، فصاح البوابون والحجاب والخلق: هاتوا دابة لأبي عبد الله، [هاتوا دابة لأبي عبد الله] [8] !! فحين قدمت دابته ليركب [9] ، [خرج الوزير ليركب] [10] فرآه فتنحى أَبُو عبد الله بْن أبي عوف وأمر بإبعاد دابته لتقدم دابة الوزير، فحلف الوزير أنه لا يركب ولا تقدم دابته حتى يركب ابن أبي عوف، قَالَ: فرأيته قائما والناس قيام بقيامه حتى قدمت دابة ابن أبي عوف [فركبها] [11] ، ثم قدمت دابة الوزير فركب وسارا جميعا.
توفي ابن أبي عوف في شوال هذه السنة.






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید