المنشورات

غزو الحسين بْن حمدان الصائفة

ففتح حصونا كثيرة، وقتل من الروم خلقا كثيرا.
وفيها [1] : عزل المقتدر باللَّه مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّهِ عن الوزارة، وحبسه أياما مع ابنيه عبد الله، وعبد الوهاب. وقلد الوزارة عَلي بْن عيسى، وَكَانَ [من] [2] أفضل الوزراء وأيامه أبهى من غيرها، وَكَانَ يجتهد في العدل والإحسان.
وفيها: كثرت الأمراض الدموية بالناس ببغداد، وَكَانَ ذلك في آخر تموز [وآب] [3] وَكَانَ من [4] ذلك المرض نوع سموه الماشري، وَكَانَ طاعونا قاتلا.
وفيها: وصلت هدايا صاحب عمان إلى السلطان، وفيها ببغة بيضاء، وغزال اسود.
وركب المقتدر في شعبان على الظهر إلى باب الشماسية على طريق الصحراء [5] ، ثم انحدر إلى داره في دجلة، وهي أول ركبة ظهر فيها للعامة.
ولما ولي الوزارة عَلي بْن عيسى شاوره المقتدر في أمر القرامطة، فأشار بمكاتبة أبي سعيد الحسن بْن بهرام الجنابي المتغلب على هجر، فتقدم إليه بمكاتبته، فكتب كتابا طويلا يتضمن الحث على طاعة الخلفاء، ويعاتبه على تركه الطاعة، ويوبخه على ما يحكي [1] عن أصحابه من إعلان الكفر وإنكارهم على من يسبح الله عز وجل ويقدسه، واطراحهم الصلوات والزكوات، واستهزائهم بأهل الدين [واسترقاقهم الأحرار] [2] ، ثم تواعده فيه بالحرب إن لم يطع فوصل الكتاب إلَيْهِ، وقد قتل أَبُو سعيد، وثب عليه خادم له صقلابي فقتله، ثم دعا رجلا من رؤساء أصحابه فَقَالَ له: السيد يدعوك، [فلما دخل] [3] قتله، ثم دعا آخر فقتله إلى أن دعا الخامس فرأى القتلى فصاح، واطلع النساء فصحن فقبضن عليه [4] قبل أن يقتل الخامس، وقد كَانَ أَبُو سعيد عهد إلى ابنه سعيد فلم يضطلع بالأمر فغلبه عليه أخوه الأصغر أَبُو طاهر سليمان بْن أبي سعيد فتوقفت [5] الرسل الذين حملوا الكتاب عن إيصاله، وكاتبوا الوزير علي بن عيسى، فأمرهم بإيصال الكتاب إلى أولاده ومن قام مقامه، فأوصلوه فكان من جوابهم بعد حمد الله عز وجل والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم، وتعظيم الخليفة [6] ، وشكر ما يبلغهم عن الوزير من العدل، وقالوا: إنا لم نخرج من الطاعة ولكنا كنا قوما مستورين فنقم علينا ذلك فجار من الناس لا دين لهم فشنعوا علينا وقذفونا بالكبائر، ثم خرجوا إلى سبنا وضربنا، ثم نادوا قد أجلناكم ثلاثة أيام فمن أقام بعدها أحل بنفسه العقوبة، فخرجنا فوثبوا علينا قبل الأجل [7] ، وضربونا وأغرمونا الأموال، فسألناهم أن يؤمنونا على أنفسنا فلم يفعلوا، وأمر صاحب البلد بقتلنا فهربنا، فأخذوا حرمنا وسلبوهم سلبا قبيحا، وانتهبوا منازلنا فلجأنا إلى البادية، فخرج ناس إلى المعتضد [باللَّه] [8] فشنعوا علينا،فصدق مقالتهم وبعث إلينا من يخاصمنا، فدافعنا عن أنفسنا [فقويت] [1] وحشتنا من الخلق [2] ، وأما ما ادعى علينا من ترك الصلاة وغيرها، فلا يجوز قبول دعوى إلا ببينة، وإذا كَانَ السلطان ينسبنا إلى الكفر [باللَّه تعالى] [3] فكيف يسألنا أن ندخل في طاعته.
فلما وصل كتابهم كتب الوزير إليه كتابا جميلا يعدهم فيه بالخير.
وفى هذه السنة: جرت ملاحة بين ابن الجصاص، وإبراهيم بْن [أَحْمَد] [4] المادرائي [5] ، فَقَالَ إبراهيم بْن أَحْمَد: مائة ألف دينار من مالي صدقة، لقد أبطلت في الذي حكيته عني، فَقَالَ [له] [6] ابن الجصاص قفيز دنانير من مالي [7] صدقة لقد/ صدقت وأبطلت في قولك، فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيم المادرائي [8] : من جهلك أنك لا تعلم أن مائة ألف دينار أكثر من قفيز، فعجب الناس من كلامهما، واعتبر هذا فإذا القفيز ستة وتسعون ألف دينار [9] .
وفى هذه السنة: قبض بالسوس [10] على الحسين بْن منصور الحلاج، وحصل في يد عبد الرحمن خليفة عَلي بْن أَحْمَد الراسبي، وأخذت له كتب ورقاع فيها أشياء مرموزة، ثم حمل فأدخل إلى مدينة السلام على جمل، ومعه غلام له على جمل آخر مشهورين [11] ونودي عليه: هذا أحد دعاة القرامطة، فاعرفوه وحبس [12] ، ثم أحضره الوزير عَلي بْن عيسى وناظره، فلم يجده يقرأ القرآن ولا يعرف من الفقه شيئا، ولا من الحديث، ولا من الأخبار، ولا الشعر، ولا اللغة. فَقَالَ له عَلي بْن عيسى: تعلمك الطهور والفروض أجدي عليك [1] من رسائل لا تدري ما تقول فيها، كم تكتب ويلك [2] إلى الناس: «تبارك ذو النور الشعشعاني» ما أحوجك إلى الأدب؟ ثم أمر به فصلب حيا في الجانب الشرقي في مجلس الشرطة، ثم في الجانب الغربي حتى رآه الناس، ثم حمل إلى دار السلطان فحبس بها، فاستمال بعض أهلها بإظهار السنة حتى مالوا إليه وصاروا يتكبرون به ويستدعون منه الدعاء. [قَالَ مؤلفه] [3] : وستأتي أخباره إن شاء الله تعالى.
وفيها حج بالناس الفضل بْن عبد الملك [4] .
ووقع وباء في آخر السنة ببغداد، خصوصا في الحربية حتى غلقت أكثر دورها.





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید