المنشورات

الحسن بْن سفيان بْن عامر بْن عبد العزيز بْن النعمان بْن عطاء، أَبُو العباس الشيباني النسوي:

محدث خراسان في عصره، رحل البلدان وسمع الكثير، فسمع بخراسان حبان بْن موسى، وإسحاق بْن إبراهيم، وقتيبة، وعلي بْن حجر في آخرين، وسمع ببغداد أَحْمَد بْن حنبل، ويحيى بْن معين، وأبا خيثمة في آخرين، وسمع بالبصرة أبا كامل [6] ، وهدبة، وشيبان بْن فروخ [7] في آخرين. وسمع بالكوفة من أبي بكر بْن أبي شيبة في آخرين، وبالحجاز إبراهيم بْن المنذر الحزامي فِي آخرين، وبمصر هارون بْن سعيد الأيلي، وأبا طاهر، وحرملة في آخرين، وبالشام صفوان بْن صالح، وهشام بْن خالد، والمسيب بْن واضح، وهشام بْن عمار [في آخرين] [8] وصنف «المسند الكبير» «والجامع» [و] [9] «المعجم» وروى مصنفات ابن المبارك، وتفقه على أبي ثور، وكان يفتي على مذهبه، وأخذ الأدب عن أصحاب النضر بْن شميل، وإليه كانت الرحلة بخراسان.
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن ناصر [الحافظ] [1] من لفظه، [قَالَ] [2] ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّد الحسن بْن أَحْمَد السمرقندي إجازة أَخْبَرَنَا أَبُو نعيم بشرويه بْن مُحَمَّد بْن إبراهيم المعقلي، قَالَ: حدثني أَبُو نصر أحمد بن جعفر الأسفراييني [قَالَ] [3] : حَدَّثَنَا أَبُو الحسن الصفار الفقيه، قَالَ: كنا عند الحسن بْن سفيان النسوي، وقد اجتمع [لديه] [4] طائفة من أهل الفضل ارتحلوا إليه من البلاد البعيدة مختلفين إلى مجلسه لاقتباس العلم وكتابة الحديث، فخرج يوما إلى مجلسه الذي كَانَ يملى فيه الحديث، فَقَالَ: اسمعوا ما أقول لكم قبل أن نشرع [5] في الإملاء، قد علمنا أنكم طائفة من أبناء النعم وأهل الفضل، هجرتم أوطانكم وفارقتم دياركم وأصحابكم في طلب العلم واستفادة الحديث، فلا يخطرن ببالكم أنكم قضيتم بهذا التجشم للعلم حقا، أو أديتم بما تحملتم من الكلف والمشقة من فروضه فرضا فإني أحدثكم [ببعض] [6] ما تحملته في طلب العلم من المشقة والجهد، وما كشف الله سبحانه وتعالى عني وعن أصحابي ببركة العلم وصفو العقيدة من الضيق والضنك، اعلموا أني كنت في عنفوان شبابي ارتحلت من وطني لطلب العلم واستملاء الحديث، فاتفق حصولي بأقصى المغرب، ودخولي مصر في سبعة نفر من أصحابي طلبة العلم وسامعي الحديث [7] ، وكنا نختلف إلى شيخ كَانَ أرفع أهل عصره في العلم منزلة وأرواهم للحديث وأعلاهم إسنادا، وأصحهم رواية، وَكَانَ يملي علينا كل يوم مقدارا يسيرا من الحديث، حتى طالت المدة وخفت النفقة ودعتنا الضرورة إلى بيع ما صحبنا من ثوب وخرقة إلى أن لم يبق لنا ما كنا نرجو به حصول قوت يوم، وطوينا ثلاثة أيام بلياليهن لم يذق أحد منا فيها شيئا، وأصبحنا في بكرة اليوم الرابع بحيث لا حراك بأحد منا من الجوع، وأحوجت الضرورة إلى كشف قناع الحشمة وبذل الوجه للسؤال، فلم تسمح بذلك أنفسنا ولم تطب قلوبنا، وأنف كل واحد منا من ذلك، والضرورة تحوج إلى السؤال على كل حال، فوقع اختيار الجماعة على كتبة رقاع بأسمائنا وإرسالها رقعة في الماء [1] ، فمن ارتفع اسمه كَانَ هو القائم بالسؤال واستماحة القوت لنفسه ولجميع أصحابه، فارتفعت الرقعة [2] التي اشتملت على اسمي، فتحيرت ودهشت ولم تسامحني نفسي بالمسألة واحتمال المذلة، فعدلت إلى زاوية [من] [3] المسجد أصلى ركعتين طويلتين وأدعو الله سبحانه وتعالى بأسمائه العظام، وكلماته الرفيعة لكشف الضر وسياقة الفرج فلم أفرغ [4] من الصلاة حتى دخل المسجد شاب حسن الوجه نظيف الثوب [5] طيب الرائحة يتبعه خادم في يده منديل، فَقَالَ: من منكم الحسن بْن سفيان؟ فرفعت رأسي من السجدة، وقلت: أنا الحسن بْن سفيان فما الحاجة؟ فَقَالَ: إن الأمير ابن طولون [6] / صاحبي يقرئكم السلام والتحية ويعتذر إليكم من الغفلة عن تفقد أحوالكم، والتقصير الواقع في رعاية حقوقكم [7] ، وقد بعث بما يكفى نفقة الوقت، وهو زائركم غدا بنفسه ومعتذر إليكم بلفظه، ووضع بين يدي كل واحد مناصرة فيها مائة دينار، فتعجبنا من ذلك وتحيرنا جدا، وقلت للشاب ما القصة في هذا؟
فَقَالَ: [أنا أحد خدم الأمير ابن طولون المختصين [8] به دخلت عليه بكرة يومي هذا مسلما في جملة أصحابي] [9] فَقَالَ الأمير لي: إني أحب أن أخلو يومي هذا فانصرفوا أنتم إلى منازلكم، فانصرفت [أنا] [1] والقوم، فلما عدت إلى منزلي لم يستو قعودي حتى أتاني رسول الأمير مسرعا مستعجلا يطلبني حثيثا، فأجبته مسرعا فوجدته منفردا في بيت واضعا يمينه على خاصرته لوجع ممض اعتراه في داخل حشاه فقال لي: أتعرف الحسن بْن سفيان وأصحابه؟ فقلت: لا، فَقَالَ: اقصد المحلة الفلانية والمسجد الفلاني، واحمل هذه الصرر وسلمها إليه والى أصحابه، فإنهم منذ ثلاثة أيام جياع بحالة صعبة [2] ، ومهد عذري لديهم وعرفهم أني صبيحة الغد زائرهم ومعتذر شفاها إليهم، فَقَالَ الشاب وسألته عن السبب الذي دعاه إلى هذا فَقَالَ: دخلت إلى هذا البيت منفردا على أن أستريح ساعة، فلما هدأت عيني رأيت في المنام فارسا في الهواء متمكنا تمكن من أن يمشى على بساط الأرض [3] وبيده رمح فجعلت أنظر إليه متعجبا حتى نزل إلى باب هذا البيت، ووضع سافلة رمحه على خاصرتي، وَقَالَ: قم أدرك الحسن بْن سفيان وأصحابه، قم فأدركهم [قم فأدركهم] [4] فإنهم منذ ثلاثة أيام جياع في المسجد الفلاني، فقلت له: من أنت؟ فَقَالَ [أنا] [5] رضوان صاحب الجنة، ومنذ أصابت سافلة رمحه خاصرتي أصابني وجع شديد لا حراك لي معه، فعجل إيصال هذا المال إليهم ليزول هذا الوجع عنى. قَالَ الحسن: فتعجبنا من ذلك وشكرنا الله تعالى وأصلحنا أحوالنا ولم تطب نفوسنا بالمقام لئلا يزورنا الأمير، ولئلا تطلع الناس على أسرارنا فيكون ذلك سبب ارتفاع اسم وانبساط جاه، ويتصل ذلك [6] بنوع من الرياء والسمعة، فخرجنا تلك الليلة من مصر وأصبح كل واحد منا واحد عصره وقريع دهره في العلم والفضل، فلما أصبح الأمير ابن طولون جاء لزيارتنا، فأخبر بخروجنا، فأمر بابتياع تلك المحلة بأسرها وأوقفها على ذلك المسجد [7] وعلى من ينزل به من الغرباء وأهل الفضل وطلبة العلم نفقة لهم حتى لا تختل أمورهم ولا يصيبهم الخلل ما أصابنا، وذلك كله لقوة الدين، وصفو [1] الاعتقاد والله سبحانه [2] وتعالى ولي التوفيق.
أَنْبَأَنَا زَاهِرُ بْن طَاهِرٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بكر البيهقي، أخبرنا أبو عبد الله محمد بْن عَبْد الله الحاكم، قَالَ: سمعت أبا بكر مُحَمَّد بْن داود بْن سليمان، يقول: كنا عند الحسن بْن سفيان فدخل عليه أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ، وأبو عمرو الحيرى، وأبو بكر أَحْمَد بْن عَلي الحافظ، فَقَالَ له أَبُو بكر بْن عَلي: قد كتبت للأستاذ أبي بكر مُحَمَّد بْن إسحاق هذا الطريق من حديثك [3] . فَقَالَ: هات واقرأ، فأخذ يقرأ فلما قرأ [4] أحاديث أدخل إسنادا منها في إسناد، فرده الحسن إلى الصواب، فلما كَانَ بعد ساعة أدخل إسنادا في إسناد فرده الحسن إلى الصواب [5] فلما كَانَ بعد ساعة أدخل إسنادا فِي إسناد، فرده إلى الصواب [6] ، وَقَالَ له في الثالثة: يا هذا لا تفعل، فقد احتملتك مرتين، وهذه الثالثة وأنا ابن تسعين سنة فاتق الله في المشايخ، فربما استجيبت فيك دعوة. فَقَالَ له أَبُو بكر بْن إسحاق: مه، لا تؤذ الشيخ. فَقَالَ أَبُو بكر [بْن عَلي: إنما] [7] أردت أن يعلم الأستاذ [8] أن أبا العباس يعرف حديثه [9] ، قَالَ الحاكم:
وسمعت أبا عمرو بْن أبي جعفر، يقول: سمعت [أبا بكر بْن عَلي الرازي يقول في حياة الحسن بْن سفيان: ليس للحسن في الدنيا نظير. قَالَ الحاكم: وسمعت أبا عبد اللَّه مُحَمَّد بْن عبد الله الصفار، يقول: سمعت] [10] الحسن بْن سفيان يقول كلما ورد في الحديث العبسيّ فهو كوفي، وكلما ورد العيشي فهو بصري، وكلما ورد العنسي فهو مصري [1] ، توفي الحسن بْن سفيان في هذه السنة.







مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید