المنشورات

مُحَمَّد بْن جرير بْن يزيد بْن كثير بْن غالب، أَبُو جعفر الطبري

ولد في آخر سنة أربع أو أول سنة خمس وعشرين ومائتين، وَكَانَ أسمر إلى الأدمة أعين ملتف الجسم [2] ، مديد القامة، فصيح اللسان، سمع محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، وإسحاق بْن [أبي] [3] إسرائيل، وأحمد بْن منيع البغوي، وأبا همام الوليد بْن شجاع، وأبا كريب، ويعقوب الدورقي، وأبا سعيد الأشج، ومحمد بْن بشار، وخلقا كثيرا من أهل العراق، والشام، ومصر. وحدث عنه أَحْمَد بْن كامل القاضي وغيره، استوطن ابن جرير بغداد إلى حين وفاته، وَكَانَ قد جمع من العلوم ما رأس به أهل عصره، وَكَانَ حافظا للقرآن، بصيرا بالمعاني، عالما بالسنن، فقيها في الأحكام، عالما باختلاف العلماء [4] ، خبيرا بأيام الناس وأخبارهم، وتصانيفه كثيرة منها: كتاب «التاريخ» [5] ، وكتاب «التفسير» [6] و «تهذيب الآثار» [7] إلا أنه لم يتمم تصنيفه وله في أصول الفقه وفروعه كتب كثيرة.
أَخْبَرَنَا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد الْقَزَّازُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ [علي بْن ثَابِت] [8] الخطيب، قَالَ: [سمعت] [9] عَلي بْن عبيد الله بن عبد الغفار اللغوي يحكي أن مُحَمَّد بْن جرير مكث أربعين سنة يكتب في كل يوم منها أربعين ورقة.
أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أبو بَكْر الخطيب، قَالَ: أخبرني الْقَاضِي أَبُو عَبْد اللَّهِ مُحَمَّد بْن سلامة القضاعي أجازة، قال: حَدَّثَنَا عَلي بْن نصر بْن الصباح الثعلبي [قَالَ] : حَدَّثَنَا القاضي أَبُو عمر عُبَيْد اللَّهِ بْن أَحْمَد السمسار وأبو الْقَاسِم بْن عقيل الوراق: أن أبا جعفر الطبري قَالَ لأصحابه أتنشطون لتفسير القرآن [1] ؟ قالوا: كم يكون قدره [2] ؟ قَالَ: ثلاثون ألف ورقة، فقالوا: هذا مما تفنى الأعمار قبل تمامه، فاختصره في نحو ثلاثة آلاف ورقة، ثم قَالَ: هل تنشطون لتاريخ العالم من آدم إلى وقتنا هذا؟
قالوا: كم يكون قدره [3] ؟ فذكر نحوا مما ذكر في التفسير، فأجابوه بمثل ذلك، فَقَالَ: إنا للَّه ماتت الهمم، فاختصره في نحو مما اختصر التفسير.
[أَخْبَرَنَا الْقَزَّازُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر الخطيب، قَالَ أنشدنا عَلي بْن عبد العزيز الطاهري، ومحمد بْن جعفر بْن علان الشروطي، قالا: أنشدنا مخلد بْن جعفر الدقاق [4] ، قَالَ: أنشدنا مُحَمَّد بْن جرير الطبري.] [5] .
إذا أعسرت لم يعلم رفيقي [6] ... وأستغني فيستغني صديقي
حيائي حافظ لي ماء وجهي ... ورفقي في مطالبتي رفيقي
ولو أنى سمحت ببذل وجهي ... لكنت إلى الغنى سهل الطريق
قَالَ: وأنشدنا أيضا
خلقان لا أرضى طريقهما [7] ... بطر الغنى ومذلة الفقر
فإذا غنيت فلا تكن بطرا ... واذا افتقرت فته على الدهر
توفي أَبُو جعفر [الطبري] [1] وقت المغرب من عشية الأحد ليومين بقيا من شوال سنة عشر وثلاثمائة، ودفن وقد أضحى النهار يوم الاثنين برحبة يعقوب في ناحية باب خراسان في حجرة بإزاء داره [2] ، وقيل: بل دفن ليلا ولم يؤذن به أحد، واجتمع من لا يحصيهم إلا الله، وصلى على قبره عدة شهور ليلا ونهارا.
وذكر ثَابِت بْن سنان في تاريخه: أنه إنما أخفيت حاله لأن العامة اجتمعوا [ومنعوا] [3] من دفنه بالنهار وادعوا عليه الرفض، ثم ادعوا عليه [4] الإلحاد.
قَالَ المصنف: كَانَ ابن جرير يرى [جواز] [5] المسح على القدمين ولا يوجب غسلهما، فلهذا نسب إلى الرفض، وَكَانَ قد رفع في حقه أَبُو بكر بْن أبي داود قصة إلى نصر الحاجب [6] يذكر عنه أشياء فأنكرها، منها: أنه نسبه إلى رأى جهم، وَقَالَ: إنه قائل: بَلْ يَداهُ [مَبْسُوطَتانِ] 5: 64 [7] أي: نعمتاه، فأنكر هذا، وَقَالَ ما قلته، ومنها: أنه روى أن روح رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما خرجت سالت في كف عَلي فحساها [8] ، فَقَالَ: إنما الحديث مسح بها على وجهه وليس فيه حساها.
قَالَ المصنف [رحمه الله] [9] : وهذا أيضا محال إلا أنه كتب ابن جرير في جواب هذا إلى نصر الحاجب [10] : لا عصابة في الإسلام كهذه العصابة الخسيسة، وهذا قبيح منه، لأنه كَانَ ينبغي أن يخاصم من خاصمه، وأما أن يذم طائفته جميعا وهو يدري إلى من ينتسب فغاية في القبح.





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید