المنشورات

عَلي بْن مُحَمَّد بْن الفرات، أَبُو الحسن

وزر مرارا للمقتدر، وملك أموالا كثيرة تزيد على عشرة آلاف ألف دينار، وبلغت غلته ألف ألف دينار [7] وأودع الأموال وجوه الناس، فلم يبق ببغداد قاض ولا عدل ولا تاجر مستور إلا ولابن الفرات عنده وديعة.
أنبأنا محمد بن أبي طاهر، قَالَ: أنبأنا علي/ بْن المحسن، عن أبيه، قال:
حدثني أَبُو الحسين عبد الله بْن أَحْمَد بْن عياش القاضي: ان رجلا دامت عطلته، فزور كتبا عن عَلي بْن مُحَمَّد بْن الفرات وهو وزير إلى أبي زنبور عامل مصر [1] ، وخرج إليه فلقيه بها فأنكرها [أَبُو زنبور] [2] لإفراط التأكيد فيها، واستراب بالخطاب، فوصل الرجل بصلة يسيرة وأمر له بجراية، وَقَالَ: تأخذها إلى أن أنظر في أمرك، وأنفذ الكتب إلى ابن الفرات، وَكَانَ فيها: إن للرجل حرمة وكيدة بالوزير وخدمة قديمة، فوصلت الكتب إلى أبي الحسن ابن الفرات وأصحابه بين يديه فعرفهم ذلك، وَقَالَ: ما الرأي؟ فقال بعضهم: تقطع يده للتزوير على الوزير وَقَالَ بعضهم: يقطع إبهامه، وَقَالَ بعضهم:
يضرب ويحبس، وَقَالَ بعضهم: يكشف أمره لأبي زنبور حتى يطرده، فَقَالَ ابن الفرات:
ما أبعد طباعكم عن الجميل! رجل توسل بنا وتحمل المشقة إلى مصر بجاهنا ولعله كَانَ لا يصل إلينا فيأخذ كتبنا، فخفف عنا بأن كتب لنفسه يكون حظه الخيبة؟ ثم كتب على الكتاب المزور إلى أبي زنبور [3] هذا كتابي ولا أعلم لأي سبب أنكرته، ولا لأي سبب استربت به، وحرمة صاحبه بي وكيدة، وسببه عندي أقوى مما تظن، فأجزل عطيته وتابع بره. فلما كَانَ بعد مدة طويلة دخل عليه رجل جميل الهيئة، فأقبل يدعو له ويبكى ويقبل الأرض بين يديه وابن الفرات لا يعرفه، ويقول: بارك الله عليك مالك. فقال: أنا صاحب الكتاب المزور إلى أبي زنبور الذي حققه بفضل الوزير فعل الله به وصنع، فضحك ابن الفرات وَقَالَ: فبكم وصلك؟ فقال: وصل إلي من ماله وبتقسيط قسطه لي وبتصرف صرفني [4] عشرون ألف دينار، فَقَالَ: الزمنا فانّا ننفعك بأضعافه [5] .
واستخدامه فأكسبه مالا عظيما.
قَالَ: ابن عياش: وَكَانَ أول ما انحل من نظام سياسة الملك فيما شاهدناه القضاء، فإن ابن الفرات وضع منه وأدخل فيه أقواما لا علم لهم ولا أبوة، فما مضت إلا سنوات حتى ابتدأت الوزارة تتضع ويتقلدها [1] من ليس باهل، حتى بلغت سنة نيف وثلاثين وثلاثمائة إلى أن تقلد وزارة المتقي أبو العباس الأصبهاني الكاتب، وكان في غاية سقوط المروءة والرقاعة، ولقد رأيت قردا معلما يقول له القراد: أتحب أن تكون بزازا؟
فيقول: نعم، ويومي برأسه، فيقول: تشتهي أن تكون عطارا؟ فيومي برأسه نعم، إلى أن يقول: [2] أتشتهي أن تكون وزيرا؟ فيومي برأسه لا، فيضحك الناس، وَكَانَ أول ما وضع من القضاء أنه قلده أبا أمية الأحوص البصري، فإنه كَانَ بزازًا فاستتر ابن الفرات عنده وخرج من داره إلى الوزارة فولاه القضاء، وجرت الحال على ما ذكرنا في ترجمة الأحوص سنة ثلاثمائة.
وقد ذكرنا كيف اتضع ابن الفرات، وكيف أخذ وحبس وقتل في حوادث هذه السنة فلا نعيده.
أنبأنا مُحَمَّد بْن أبي طاهر، عن أبي الْقَاسِم التنوخي، عن أبيه، قَالَ: أخبرني بعض الكتاب، قَالَ: كَانَ ابن الفرات قد صودر على ألف ألف دينار وستمائة ألف دينار، فأدى جميعها في مدة ستة عشر شهرا من وقت أن قبض عليه.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ [الْبَزَّازُ] [3] ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِي بْن الْمُحْسِنِ التَّنُوخِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حدثني أَبُو مُحَمَّد، قَالَ: حدثني بعض شيوخ الكتاب ببغداد عمن حدثه أنه سمع أبا الحسن ابن الفرات يقول لأبي جعفر بْن بسطام: ويحك يا أبا جعفر، لك قصة في رغيف، فَقَالَ: إن أمي كانت عجوزا صالحة عودتني منذ ولدتني أن تجعل تحت مخدتي التي أنام عليها في كل ليلة رغيفا فيه رطل، فإذا كَانَ من غد تصدقت به عني فأنا أفعل ذلك إلى الآن، فَقَالَ ابن الفرات: ما سمعت بأعجب من هذا، أعلم أني من أسوأ الناس رأيا فيك لأمور أوجبت ذلك، وأنا مفكر منذ أيام في القبض عليك وفي مطالبتك بمال، فأرى منذ ثلاث ليال في منامي كأنني استدعيك لأقبض عليك فتحاربني وتمتنع مني، فأتقدم لمحاربتك فتخرج إلي من يحاربك وبيدك رغيف كالترس فتتقي به السهام ولا يصل أليك منها شيء، وأشهد الله أني قد وهبت للَّه عز وجل [1] ما في نفسي عليك، وأن رأيي لك أجمل رأى من الآن فانبسط.





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید