المنشورات

بني هاشم ضجوا في الطرقات لتأخر أرزاقهم عنهم، وذلك لثمان من المحرم.

ولليلة بقيت من المحرم انقض كوكب قبل مغيب الشمس من ناحية الجنوب إلى ناحية الشمال، فأضاءت الدنيا منه إضاءة شديدة، وَكَانَ له صوت كصوت الرعد الشديد.
ولم يزل أَبُو الْقَاسِم الخاتاني في أيام وزارته يبحث عمن يدعي عليه من أهل بغداد أنه يكاتب القرمطي ويتدين الإسماعيلية إلى أن تظاهرت عنده الأخبار، بأن رجلا يعرف بالكعكي ينزل في الجانب الغربي رئيس للرافضة، وأنه من الدعاة إلى مذهب القرامطة، فتقدم إلى نازوك بالقبض عليه، فمضى ليقبض عليه فتسلق من الحيطان وهرب، ووقع برجل في داره كَانَ خليفته [1] ، ووجد في الدار رجالا يجرون مجرى المتعلمين، فضرب الرجل ثلاثمائة سوط وشهره على جمل، ونودي عليه هذا جزاء من يشتم أبا بكر وعمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا وحبس الباقين.
وعرف المقتدر أن الرافضة تجتمع في مسجد براثا فتشتم الصحابة، فوجه نازوك للقبض على من فيه، وَكَانَ ذلك في يوم الجمعة لست بقين من صفر، فوجدوا فيه ثلاثين إنسانا يصلون وقت الجمعة، ويعلنون البراءة ممن يأتم بالمقتدر، فقبض عليهم، وفتشوا فوجدوا معهم [1] خواتيم من طين أبيض. يختمها لهم الكعكي عليها: «مُحَمَّد بْن إسماعيل الإمام المهدي ولي الله» فأخذوا وحبسوا [2] وتجرد الخاقاني لهدم مسجد براثا، وأحضر رقعة فيها فتوى جماعة [3] من الفقهاء أنه مسجد ضرار وكفر وتفريق بين المؤمنين [4] وذكر أنه إن لم يهدم كَانَ مأوى الدعاة والقرامطة، فأمر المقتدر [بهدمه] [5] فهدمه نازوك، وأمر الخاقاني بتصييره مقبرة ندفن فيه عدة من الموتى، وأحرق باقيه [6] وكتب الجهال من العوام على نخل كَانَ فيه هذا مما أمر معاوية بْن أبي سفيان بقبضه على عَلي بْن أبي طالب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ [7] .
وفى يوم الثلاثاء لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ربيع الآخر [8] خرج مفلح الأسود لإيقاع الفداء ببلاد الروم، فتم الفداء لخمس بقين من رجب.
وَكَانَ الحاج قد خرجوا من بغداد في ذي القعدة، فخرج جعفر [بْن] [9] ورقاء وهو والي طريق مكة والكوفة، فتقدم الحاج خوفا من أبي طاهر الجنابي، وَكَانَ معه ألف فارس [10] من بني شيبان، فلقي جعفر بْن ورقاء بزبالة فناوشه قليلا واضطرب الناس ورجعوا إلى الكوفة، وتبع أَبُو طاهر القوافل ورجال السلطان حتى صار إلى القادسية، فخرج إليه أهلها وسألوه أن يؤمنهم فأمنهم، ثم رحل إلى الكوفة، وخرج إليه أهل الكوفة [11] ، وأصحاب السلطان فحاربوه فغلبهم، وأقام بظاهر الكوفة سبعة أيام [12] يدخل البلد بالنهار، ويخرج بالليل، فيبيت في معسكره ويحمل ما قدر عليه فحمل من الوشي [1] أربعة آلاف ثوب، ومن الزيت ثلاثمائة راوية، ومن الحديد [شيء كثير] [2] ثم رحل إلى بلده، فدخل جعفر بْن ورقاء ومن معه [3] إلى بغداد، فتقدم المقتدر إلى مؤنس بالخروج لمحاربة أبي طاهر، واضطرب أهل بغداد اضطرابا شديدا انتقل أكثر من في الجانب الغربي إلى الشرقي.
ولم يحج في هذه السنة أحد من أهل بغداد، ولا من [أهل] خراسان [4] .
وَكَانَ أَبُو العباس أَحْمَد بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن أَحْمَد بْن الخصيب قد استخرج مالا كثيرا من زوجة المحسن ولد ابن الفرات، فصارت له بذلك مرتبة عند المقتدر، فأرجف بوزارته فقدح فيه الخاقاني [وكتب هو يقدح في الخاقاني، فآل الأمر إلى أن صرف الخاقاني [5]] وكانت مدة وزارته سنة وستة أشهر ويومين وأحضر المقتدر الخصيبي [6] ، فقلد الوزارة وخلع عليه.
وكثر الرطب في هذه السنة ببغداد حتى بيع كل ثمانية [7] أرطال بحبة، وعمل منه تمر، وحمل إلى البصرة.





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید