المنشورات

أَحْمَد بْن إسحاق بن البهلول بن حسان بن سنان، أَبُو جعفر التنوخي

أنباري الأصل، ولد في سنة إحدى وثلاثين ومائتين، وسمع أباه، وإبراهيم بْن سعيد الجوهري، ومؤمل بن إهاب، وأبا سعيد الأشج، وأبا هشام الرفاعي، وخلقا كثيرا، وكان عنده عن أبي كريب حديث واحد. روى عنه الدارقطني وغيره. وَكَانَ ثقة فقيها على مذهب أبي حنيفة، قيما بالنحو على مذهب الكوفيين، فصيح العبارة، كثير الحفظ للشعر القديم والحديث والسير والتفسير، وَكَانَ شاعرا فصيحا لسنا ورعا متخشنا في القضاء، بيته بيت العلم [2] حمل الناس العلم عن أبيه وجده، وعنه، وعن ابنه [مُحَمَّد] [3] ، وعن ابن أخيه داود بْن الهيثم بْن إسحاق.
ولي أَبُو جعفر قضاء الأنبار وهيت وطريق الفرات من قبل الموفق باللَّه في سنة ست وسبعين ومائتين، ثم تقلده للمعتضد، ثم تقلد بعض كور الجبل [للمكتفي] [4] في سنة اثنتين وتسعين ومائتين، ولم يخرج إليها، ثم قلده المقتدر في سنة ست وتسعين [ومائتين] [5] بعد فتنة ابن المعتز القضاء بمدينة المنصور وطسوجى قطربُّل ومسكن والأنبار وطريق الفرات وهيت، ثم أضاف إليه بعد سنين القضاء [6] بكور الأهواز مجموعة لما مات قاضيها وكيع، وما زال على هذه الأعمال حتى صرف عنها في سنة سبع عشرة وثلاثمائة.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد [القزاز] [7] ، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت،أخبرنا علي بن أبي علي، عن أبي الحسن أَحْمَد بْن يُوسُف الأزرق، قَالَ: حدثني القاضي أَبُو طالب مُحَمَّد بْن القاضي أبي جعفر بْن البهلول، قَالَ: كنت مع أبي في جنازة وإلى جانبه [أَبُو جعفر] [1] الطبري، فأخذ أبي [يعظ] [2] صاحب المصيبة [ويسليه] [3] وينشده أشعارا، ويروي له أخبارا، فداخله الطبري في ذلك [وذنب معه] [4] ، ثم اتسع الأمر بينهما في المذاكرة وخرجا إلى فنون كثيرة من الآداب والعلم استحسنها الحاضرون، وتعالى النهار وافترقنا، فقال لي أبي: يا بني تعرف هذا الشيخ الّذي داخلنا اليوم في المذاكرة من هو؟ فقلت: هذا أبو جعفر [محمد بن جرير] [5] الطبري [6] ، فقال: إنا للَّه، ما أحسنت عشرتي يا بني، فقلت: كيف؟ قَالَ: ألا قلت لي فكنت أذاكره غير تلك المذاكرة، هذا رجل مشهور بالحفظ والاتساع في صنوف العلم [7] ، وما ذاكرته بحسنها، قَالَ: ومضت على هذا مدة فحضرنا في جنازة أخرى، فإذا بالطبري، فقلت له أيها القاضي هذا الطبري قد جاء، فأومأ إليه بالجلوس عنده، فجلس إلى جنبه وأخذ أبي [يجاريه] [8] فكلما جاء إلى قصيدة ذكر الطبري منها أبياتا، فيقول له أبي، هاتها يا أبا جعفر إلى آخرها، فيتلعثم الطبري، فينشدها [أبي] [9] إلى آخرها وكل ما ذكر شيئا من السير قَالَ أبي: هذا كَانَ في قصة فلان ويوم بني فلان، مر فيه يا أبا جعفر فربما مر وربما تلعثم فمر أبي في جميعه، فما سكت أبي يومه ذلك إلى الظهر وقد بان للحاضرين تقصير الطبري عنه، ثم قمنا فقال لي أبي: الآن شفيت صدري.
أَنْبَأَنَا مُحَمَّد بْن أبي طاهر البزاز، قَالَ: أنبأنا علي بن [أبي] [10] علي التنوخي، عن أبيه، قَالَ: حدثني القاضي أَبُو الحسين [عَلي بْن] [1] مُحَمَّد بْن أبي جعفر بْن البهلول، قال: طلبت السيدة أم المقتدر باللَّه من جدي كتاب [2] وقف بضيعة كانت ابتاعتها، وَكَانَ كتاب الوقف [مخزونا] [3] في ديوان القضاء، وأرادت أخذه لتحرقه وتتملك [4] الوقف، ولم يعلم الجد بذلك [5] ، فحمله إلى الدار، وَقَالَ للقهرمانة: قد أحضرت الكتاب فأيش ترسم؟ فقالوا نريد أن يكون عندنا، فأحسن بالأمر، فَقَالَ لأم موسى القهرمانة:
تقولين [لأم المقتدر] [6] السيدة: اتقي الله هذا والله ما لا طريق إليه أبدا أنا خازن المسلمين على ديوان الحكم، فإن مكنتموني من خزنه كما يجب وإلا فاصرفوني وتسلموا الديوان دفعة واحدة، فاعملوا فيه ما شئتم، وأما أن يفعل شيء من هذا على يدي فو الله لا كَانَ ذلك أبدا ولو عرضت على السيف، ونهض والكتاب معه، [وجاء إلى طياره وهو لا يشك في الصرف، فصعد إلى ابن الفرات [7]] وحدثه بالحديث، فَقَالَ [له:] [8] ألا دافعت عن الجواب وعرفتني حتى أكتب [وأملي] [9] في ذلك، والآن أنت مصروف فلا حيلة لي مع السيدة في أمرك، قَالَ: وأدت القهرمانة الرسالة إلى السيدة، فشكت إلى المقتدر، [فلما كَانَ يوم الموكب خاطبه المقتدر] [10] شفاها في ذلك فكشف له الصورة، وَقَالَ له مثل ذلك القول والاستعفاء، فَقَالَ له المقتدر: مثلك يا أَحْمَد من قلد القضاء؟ أقم على ما أنت عليه: بارك الله فيك [11] ولا تخف أن ينثلم محلك عندنا، قَالَ:
فلما عاودت السيدة قَالَ لها المقتدر الأحكام ما لا طريق إلى اللعب به، وابن البهلول مأمون علينا محب لدولتنا، ولو كَانَ هذا شيئا يجوز لما منعتك إياه، فقالت السيدة: كَانَ هذا لا يجوز؟ فَقَالَ لها: لا هذه حيلة من أرباب الوقف على بيعه وأعلمها كاتبها ابن [عبد] [1] الحميد شرح الأمر وأن الشراء لا يصح بتخريق كتاب الوقف [2] ، وأن هذا لا يحل، فارتجعت المال، وفسخت الشراء وعادت/ تشكر جدي وانقلب ذلك أمرا جميلا عندهم، فَقَالَ جدي بعد ذلك: من قدم أمر الله على أمر المخلوقين كفاه الله شرهم.
توفي أبو جعفر ابن البهلول في ربيع الآخر من هذه السنة.





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید