المنشورات

جعفر المقتدر باللَّه أمير المؤمنين

كَانَ قد بلغ إلى مؤنس أن المقتدر قد دبر عليه حتى يقبض عليه، فغضب وأصعد إلى الموصل، ووجه رسولا، فأخذ الرسول وضرب، ووقع الوزير الحسين بْن الْقَاسِم بقبض أملاك مؤنس، وملك مؤنس الموصل، ثم أقبل إلى بغداد، فلما بلغ الجند خبره شغبوا على المقتدر فأطلق لهم مالا كثيرا، وخرج إلى حربه، فجعل الجند يتسللون إلى مؤنس، ثم نادوا باسم مؤنس، فأتى مؤنس عكبرا وضرب المقتدر مضربه بباب الشماسية، وركب يوم الأربعاء لثلاث بقين من شوال فمر في الشارع يريد مضربه، وعليه قباء فضي مصمت و [عليه] [5] عمامة سوداء، والبردة على كتفيه، وبين يديه أعلام الملك وألويته، وحوله جماعة من الأنصار بأيديهم المصاحف، وكثر دعاء الناس له، ثم جرت الحرب [6] ، ووافى البربر [7] من أصحاب مؤنس، فأحاطوا بالمقتدر وضربه رجل منهم من خلفه ضربة سقط منها إلى الأرض، فَقَالَ: أنا الخليفة، فَقَالَ البربري: لك أطلب [1] ، وأضجعه فذبحه بالسيف، ورفع رأس المقتدر على سيف، ثم على خشبة، وسلب ثيابه حتى مر به بعض الأكرة [2] ، فستره بحشيش ثم حفر له في الموضع، ودفنت جثته دون رأسه [3] ، وذلك برقة الشماسية [4] مما يلي قرية يحيى، وَكَانَ المقتدر قد أتلف [5] نيفا وسبعين ألف ألف دينار [6] ، وذلك أكثر مما جمعه [7] هارون الرشيد، وحمل رأسه إلى مؤنس، وَكَانَ سنه يومئذ ثمانيا وثلاثين سنة وشهرا وخمسة أيام، وَكَانَ قتله في الساعة الرابعة يوم الأربعاء لثلاث بقين من شوال هذه السنة، وكانت خلافته أربعا وعشرين سنة وأحد عشر شهرا وأربعة عشر يوما، من جملتها يومان وثلاث ليال خلع فيها من الخلافة ثم أعيد.
قَالَ أَبُو بكر الصولي: عاش المقتدر في الخلافة أكثر مما عاش الخلفاء قبله، فإن المعمرين من الخلفاء [قبله] [8] معاوية، وعبد الملك، وهشام، والمنصور، والرشيد، والمأمون، والمعتمد، وزاد هُوَ عليهم [9] ، ثم كلهم ماتوا على فرشهم، وختم له بالشهادة.
ومن العجائب أنه لم يل الخلافة من اسمه جعفر ويكنى أبا الفضل إلا هو، والمتوكل. وقتل هو يوم الأربعاء، والمتوكل ليلة الأربعاء.





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید