المنشورات

محمد بن يوسف بن يعقوب بن إسماعيل بن حماد بن زيد بن درهم، أبو عمر القاضي الأزدي مولى آل جرير بْن حازم

ولد بالبصرة لتسع خلون [2] من رجب سنة ثلاث وأربعين ومائتين، وسمع مُحَمَّد بْن الوليد البسري، ومحمد بْن إسحاق الصاغاني، والحسن بْن أبي الربيع الجرجاني، وزيد بْن أخرم في آخرين، روى عنه الدارقطني، وأبو بكر الأبهري، ويوسف بْن عمر القواس، وابن حبابة وغيرهم، وَكَانَ ثقة فاضلا، غزير العقل والحلم [3] والذكاء، يستوفي المعاني الكثيرة في الألفاظ اليسيرة، ومن سعادته أن المثل يضرب بعقله وسداده وحلمه، فيقال في العاقل الرشيد: «كأنه أَبُو عمر القاضي» . وفي الحليم:
«لو أني أَبُو عمر القاضي ما صبرت» .
ولي قضاء مدينة المنصور [4] والأعمال المتصلة بها في سنة أربع وستين وجلس في جامع المدينة، ثم استخلف نائبا عن أبيه على القضاء بالجانب الشرقي، وَكَانَ يحكم بين أهل المدينة رياسة، وبين أهل الجانب الشرقي خلافة إلى سنة اثنتين وتسعين ومائتين، ولما توفي أَبُو خازم القاضي عن الشرقية نقل أَبُو عمر عن مدينة المنصور إلى قضاء الشرقية، فكان على ذلك إلى سنة ست وتسعين، ثم صرف هو ووالده عن جميع ما كَانَ/ إليهما، وتوفي والده سنة سبع وتسعين ومائتين [5] ، وما زال أَبُو عمر ملازما لمنزله إلى سنة إحدى وثلاثمائة، فتقلد عَلي بْن عيسى الوزارة وأشار على المقتدر به، فقلده الجانب الشرقي والشرقية وعدة نواحي من السواد والشام والحرمين واليمن وغير ذلك، ثم قلده قضاء القضاة سنة سبع عشرة وثلاثمائة، وحمل الناس عنه علما كثيرا من الحديث وكتب الفقه التي صنفها إسماعيل بْن إسحاق، وعمل مسندًا كبيرا، ولم ير الناس ببغداد أحسن من مجلسه، فكان يجلس للحديث وعن يمينه أَبُو الْقَاسِم بْن منيع وهو قريب من أبيه في الحسن والإسناد، وعن يساره ابن صاعد، وأبو بكر النيسابوري بين يديه، وسائر الحفاظ حول سريره.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ [أَبِي] [1] عَلِيٍّ الْمُعَدَّلُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الحسين بْن مُحَمَّد بْن عبيد الدقاق، قَالَ: قَالَ لي أَبُو إسحاق بْن جابر الفقيه [2] لما ولي أَبُو عمر طمعنا في أن نتتبعه بالخطأ لما كنا نعلم من قلة فقهه، فكنا نستفتى فنقول [3] : امضوا إلى القاضي ونراعي ما يحكم به فيدافع عن الأحكام مدافعة أحسن من فصل الحكم، ثم تجيئنا الفتاوى في تلك القصص، فنخاف أن نحرج إن لم نفت [4] فتعود الفتاوى إليه، فيحكم بما يفتى به الفقهاء، فما عثرنا عليه بخطأ.
قَالَ عَلي: وسمعت أبا إسحاق إبراهيم بْن أَحْمَد الطبري، يقول: سمعت بعض شهود الحضرة القدماء يقول: كنت بحضرة أبي عمر القاضي وجماعة من شهوده [وخلفائه] [5] فاحضر ثوبا يمانيا قيل [في] [6] ثمنه خمسون دينارا، فاستحسنه كل من حضر المجلس [7] ، فَقَالَ: يا غلام هات القلانسي، فجاء، فَقَالَ: اقطع جميع هذا الثوب قلانس واحمل إلى كل واحد من أصحابنا قلنسوة، ثم التفت إلينا فَقَالَ: إنكم استحسنتموه بأجمعكم ولو استحسنه واحد [منكم] [8] لوهبته له، فلما اشتركتم في استحسانه لم أجد طريقا إلى أن [يحصل] [9] لكل واحد شيء منه إلا بأن يجعله قلانس، يأخذ كل واحد منا واحدة [10] .
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أَحْمَد بْن عَلي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر البرقاني، قَالَ: حكى لي الحمدوني: أن إسماعيل القاضي ببغداد كَانَ يحب الاجتماع مع إبراهيم الحربي، فقيل لإبراهيم لو لقيته؟ فَقَالَ: ما أقصد من له حاجب، فقيل ذلك لإسماعيل فنحى الحاجب عن بابه أياما فذكر ذلك لإبراهيم فقصده، فلما دخل تلقاه أَبُو عمر مُحَمَّد بْن يُوسُف القاضي وَكَانَ بين يدي إسماعيل غلام [1] قائم، ولما نزع إبراهيم نعله أمر أَبُو عمر غلاما له أن يرفع نعل إبراهيم في منديل معه، فلما طال المجلس بين إسماعيل وإبراهيم وجرى بينهما من العلم ما تعجب منه الحاضرون، ولما أراد إبراهيم [2] القيام تقدم أَبُو عمر إلى الغلام أن يضع نعله بين يديه من حيث رآها إبراهيم ملفوفة في المنديل، فَقَالَ إبراهيم لأبي عمر: رفع الله قدرك في الدنيا والآخرة، فقيل:
إن أبا عمر لما توفي رآه بعضهم في المنام، فَقَالَ لَهُ: مَا فعل الله بك؟ فَقَالَ: أدركتني دعوة الرجل الصالح إبراهيم [الحربي أو كما] [3] قَالَ الحمدوني.
توفي أَبُو عمر يوم الأربعاء لست بقين من رمضان [4] هذه السنة، وهو ابن ثمان وسبعين سنة [5] ، ودفن في داره [رحمه الله] [6] .





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید