المنشورات

أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن موسى بْن النضر بْن حكيم بْن عَلي بن [ذربي] أَبُو بكر المعروف بابن أبي حامد

صاحب بيت المال، سمع عباسا الدوري، وخلقا كثيرا. وروى عنه الدارقطني وغيره. وَكَانَ ثقة صدوقا جوادا.
أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي، قال:
حدثني عبيد اللَّه [1] بْن أبي الفتح، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الحسن الدارقطني، قَالَ: كَانَ أَبُو حامد المروروذي قليل [2] الدخول على ابن أبي حامد صاحب بيت المال، وَكَانَ في مجلسه رجل من المتفقهة، فغاب عنه أياما، فسأل عنه فأخبر أنه متشاغل بأمر قد قطعه عن حضور المجلس، فأحضره وسأله عن حاله، فذكر أنه قد اشترى جارية لنفسه، وأنه انقطعت به النفقة وضاقت يده في تلك السنة لانقطاع المادة عنه من بلده، وَكَانَ عليه دين لجماعة من السوقة، فلم يجد قضاء لذلك دون أن باع الجارية، فلما قبض الثمن تذكرها وتشوق إليها واستوحش من بعدها [3] عنه حتى لم يمكنه التشاغل بفقه ولا بغيره/ من شدة قلقه، وتعلق قلبه بها [4] وذكر أن ابن أبي حامد قد اشتراها فأوجبت الحال مضي أبي حامد الفقيه إلى ابن أبي حامد يسأل الإقالة وأخذ المال من البائع، فمضى ومعه الرجل، فحين استأذن على ابن أبي حامد أذن له في الحال، فلما دخل إليه قام إليه واستقبله وأكرمه غاية الإكرام، وسأله عن حاله وعن ما جاء له، فأخبره أَبُو حامد بخبر الفقيه وبيع الجارية، وسأله قبض المال ورد الجارية على صاحبها فلم يعرف ابن أبي حامد للجارية خبرا ولا كَانَ عنده علم من أمرها، وذلك أن امرأته كانت قد اشترتها ولم يعلم بذلك، فورد عَلَيْهِ من ذَلِكَ مورد تبين في وجهه، ثم قام ودخل على امرأته يسألها عن جارية اشتريت في سوق النخاسين على الصفة والنعت، فصادف ذلك أن امرأته كانت جالسة والجارية حاضرة، وهم يصلحون وجهها، وقد زينت بالثياب الحسان والحلي، فقالت: يا سيدي هذه الجارية التي التمست. فسر بذلك سرورا تاما إذ كانت عنده رغبة في قضاء حاجة أبي حامد، فعاد إلى أبي حامد، وَقَالَ له: خفت أن لا تكون الجارية في داري، والآن فهي بحمد الله عندنا، والأمر للشيخ أعزه الله في بابها [5] ثم أمر بإخراج الجارية، فحين أخرجت تغير وجه الفتى تغيرا شديدا، فعلم بذلك أن الأمر كما ذكره الفقيه من حبه لها وصبابته بها فَقَالَ له ابن أبي حامد: هذه جاريتك. فَقَالَ: نعم هذه جاريتي. واضطرب كلامه من شدة ما نزل به عند رؤيتها، فَقَالَ له: خذها بارك الله لك فيها. فجزاه أَبُو حامد خيرا وشكره [1] وسأله قبض المال، وأخبره أنه على حاله وقدره ثلاثة آلاف درهم فأبى أن يأخذه وطال الكلام في ذلك، فَقَالَ أَبُو حامد: إنما قصدناك نسأل الإقالة ولم نقصد أخذها على هذا الوجه. قال له ابن أبي حامد: هذا رجل فقيه وقد باعها لأجل فقره وحاجته ومتى أخذ المال منه خيف عليه أن يبيعها ثانية ممن لا يردها عليه [2] ، والمال يكون في ذمته فإذا جاءه نفقة من بلده جاز أن يرد ذلك فوهب المال له، وَكَانَ عليها من الحلي والثياب شيء له قدر كبير. فَقَالَ له أَبُو حامد: إن رأى أيده الله أن يتفضل وينفذ مع الجارية من يقبض هذه الثياب والحلي التي عليها فما لهذا الفقيه أحد ينفذه به على يده. فَقَالَ: سبحان الله هذا شيء أسعفناها به ووهبناه لها سواء إن كانت في ملكنا أو خرجت عن قبضتنا، ولسنا نرجع فيما وهبناه من ذلك. فعرف أَبُو حامد أن الوجه ما قاله، فلم يلح عليه بل حسن موقعه من قلبه، فلما أراد لينهض ويودعه قَالَ ابن أبي حامد: أريد أن أسألها قبل انصرافها عن شيء، فَقَالَ: يا جارية أي ما أحب إليك نحن أو مولاك هذا الذي باعك وأنت الآن له؟ فقالت: يا سيدي أما انتم فأحسن الله عونكم وفعل بكم وفعل فقد أحسنتم إلي وأغنيتموني، وأما مولاي هذا فلو ملكت منه ما ملك مني ما بعته بالرغائب العظيمة، فاستحسن الجماعة ذلك منها وما هي عليه من العقل مع الصبي وودعوه وانصرفوا.
توفي ابن أبي حامد في رمضان هذه السنة.






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید