المنشورات

شغب أم المقتدر [باللَّه]

كانت لها أموال [عظيمة] [2] تفوق الإحصاء، كَانَ يرتفع لها من ضياعها في كل عام ألف ألف دينار، وكانت تتصدق بأكثر ذلك، وكانت تواظب على مصالح الحاج وتبعث خزانة الشراب والأطباء معهم وتأمر بإصلاح الحياض، فمرضت وفسد مزاجها، ثم هجم عليها قتل ابنها المقتدر، فأخبرت أنه لم يدفن، فجزعت جزعا شديدا ولطمت وامتنعت من الأكل والشرب حتى كادت تتلف، فما زالوا يرفقون بها حتى أكلت كسرة بملح، ثم دعاها القاهر باللَّه فقررها بالرفق والتهديد، فحلفت له أنه لا مال عندها ولا جوهر إلا صناديق فيها ثياب ومصوغ وطيب، وذكرت أنه لو كَانَ عندها مال ما أسلمت ولدها للقتل [3] ، فضربها بيده وعلقها برجل واحدة، فلم يجد عندها غير ما أقرت به، فأخذ، وكانت قيمته نحوا من مائة وثلاثين ألف دينار.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْبَزَّازُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا عَلِي بْن المحسن التنوخي، عَنْ أَبِيهِ، قال: عذب القاهر أم المقتدر بصنوف العذاب حتى قيل إنه علقها منكسة، وَكَانَ يجري بولها على وجهها، فقالت له: لو كَانَ معنا مال ما جرى في أمرنا من الخلل ما آل إلى جلوسك حتى تعاقبني هذه العقوبة، وإنما [4] أنا أمك في كتاب الله، وأنا خلصتك من ابني في الدفعة الأولى.
وَقَالَ أَبُو الحسين بْن عياش [5] : حدثني أَبُو مُحَمَّد عمي، قَالَ: أنفذني [عمي] [6]
أَبُو الحسين بْن أبي عمر القاضي، وابن الحباب الجوهري إلى القاهر، وَكَانَ قد طلب شاهدين ليشهدا على أم المقتدر بتوكيلها في بيع أملاكها، فدخلنا على القاهر فسلمنا ووقفنا، فدفع إلينا بعض الخدم كتابا أوله أقرت شغب مولاة المعتضد أم جعفر المقتدر فإذا هو وكالة في بيع أملاكها، فقلنا للخادم: وأين هي؟ فَقَالَ وراء الباب: فاستأذنا الخليفة في خطابها، فقال: افعلوا، فقلنا: أنت هاهنا حتى نقرأ عليك؟ قالت: نعم، فقرأنا الكتاب عليها وقررناها، ثم وقفنا عن كتب الشهادة طلبا لرؤيتها، فَقَالَ الخليفة:
ما لكم؟ قلنا: يا أمير المؤمنين لا يصح لنا الشهادة دون أن نرى المرأة بأعيننا ونعرفها، فَقَالَ: افعلوا، فسمعنا من وراء الستارة بكاء ونحيبا، ورفعت الستارة فقلنا لها: أنت شغب مولاة المعتضد وأم المقتدر؟ فسكتت ساعة [1] ، ثم قالت: نعم، فقررناها وأسبل الستر فوقفنا عن الشهادة، فَقَالَ القاهر [2] : فأيش بقي؟ قلنا: تعرف يا أمير المؤمنين أنها شغب، فَقَالَ: نعم هذه شغب مولاة أبي وأم أخي، وأوقعنا خطوطنا في الكتاب. ولما رأيناها رأينا عجوزا دقيقة الجسم [3] ، سمراء اللون إلى البياض والصفرة، عليها أثر ضر شديد [4] ، فما انتفعنا بأنفسنا ذلك اليوم فكرا في تقلب الزمان وتصرف الحدثان، وجئنا وأقمنا الشهادة عند أبي الحسين القاضي.
قَالَ مؤلف الكتاب [5] : وتوفيت بعد قتل المقتدر بسبعة أشهر وثمانية أيام، وكأنها توفيت في جمادى الأولى من هذه السنة، ودفنت بالرصافة.





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید