المنشورات

أَحْمَد بْن جعفر بْن موسى بْن يحيى بْن خالد بْن برمك، أَبُو الحسن النديم المعروف بجحظة

كَانَ حسن الأدب، كثير الرواية للأخبار متصرفا في فنون جمة من العلوم، مليح الشعر حاضر النادرة، صانعا في الغناء. وتوفي في هذه السنة [ورد تابوته من واسط] [4] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي، أخبرنا عَلي بْن المحسن، حَدَّثَنَا الحسين بْن مُحَمَّد بْن سليمان الكاتب، قَالَ: حَدَّثَنَا جحظة، قَالَ: أنشدت عُبَيْد اللَّهِ بْن عبد الله بْن طاهر بْن الحسين [5] قولي:
قد نادت الدنيا على نفسها [6] ... لو كَانَ في العالم من يسمع
كم واثق بالعمر واريته/ ... وجامع بددت ما يجمع
[فَقَالَ لي:
ذنبك إلى الزمان الكمال] [7] .
قَالَ ابن المحسن: وحدثنا الحسين بْن مُحَمَّد بْن سليمان الكاتب، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الحسن بْن حنش الكاتب، قَالَ: قَالَ لنا جحظة: صك لي بعض الملوك صكا، فترددت إلى الجهبذ في قبضه، فلما طالت عَلي مدافعته كتبت إليه:
إذا كانت صلاتكم رقاعا ... تخطط بالأنامل والأكف
ولم تجد الرقاع عَلي نفعا [1] ... فها خطي خذوه بألف ألف
قَالَ أَبُو الحسن: وشرب أبي دواء، فكتب إليه جحظة رقعة يسأله عن حاله:
ابن لي كيف أمسيت ... وما كَانَ من الحال
وكم سارت بك الناقة ... نحو المنزل الخالي
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي بن ثابت، [الخطيب] [2] ، أخبرنا علي بن أبي عَلي البصري، قَالَ: [حدثني أبي قَالَ:] [3] حدثني أَبُو الفرج الأصبهاني، قَالَ: حدثني جحظة، قَالَ: اتصلت عَلي إضاقة أنفقت فيها [كل] [4] ما كنت أملكه حتى بقيت ليس في داري غير البواري، فأصبحت يوما وأنا أفلس من طنبور بلا وتر، ففكرت كيف أعمل فيه فوقع لي أن أكتب إلى محبرة بْن أبي عباد الكاتب، وكنت أجاوره، وَكَانَ قد ترك التصرف قبل ذلك بسنتين ولزم بيته وحالفه النقرس فأزمنه حتى صار لا يتمكن من التصرف إلا محمولا على الأيدي أو في محفة، وَكَانَ مع ذلك على غاية الظرف وكبر النفس وعظم النعمة وأن أتطايب عليه ليدعوني، فآخذ منه ما أنفقه مدة، فكتبت إليه:
ماذا ترى في جدي ... وبرمة وبوارد
وقهوة ذات لون ... يحكي خدود الخرائد
ومسمع ليس يخطي ... من نسل يحيى بْن خالد
إن المضيع لهذا ... نزر المروءة بارد
فما شعرت إلا بمحفة محبرة يحملها غلمانه إلى داري وأنا جالس على بابي، فقلت له: لم جئت ومن دعاك؟ قَالَ: أنت! قلت: إنما قلت لك ماذا ترى في هذا وعنيت في بيتك وما قلت لك أنه في بيتي، وبيتي والله أفرغ من فؤاد أم موسى، فَقَالَ: الآن قد جئت ولا أرجع، ولكن أدخل إليك وأستدعي من داري ما أريد، قلت: ذاك إليك، فدخل فلم ير في بيتي إلا بارية، فَقَالَ: يا أبا الحسن هذا والله فقر مفضح، هذا ضر مدقع ما هذا؟ فقلت: هو ما ترى، فأنفذ إلى داره فاستدعى فرشا وقماشا، وجاء فراشه ففرشه، وجاءوا من [الصفر والشمع] [1] وغير ذلك مما يحتاج إليه، وجاء طباخه بما كَانَ في مطبخه، وجاء شرابوه بالصواني والمخروط والفاكهة والبخور، وجلس يومه ذلك عندي، فلما كَانَ من غد سلم إلى غلامه كيسا فيه ألفا درهم، ورزمة ثياب من فاخر الثياب، واستدعى محفته فجلس فيها وشيعته هنية، فلما بلغ آخر الصحن قَالَ: مكانك يا أبا الحسن احفظ بابك فكل ما في الدار لك، وَقَالَ للغلمان: اخرجوا فأغلقت الباب على قماش بألوف كثيرة.
أَخْبَرَنَا عبد الرحمن، أخبرنا أحمد بن علي، قال: حدثني الحسن بْن أبي طالب، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عمران، قَالَ: أنشدنا جحظة:
قل للذين تحصنوا من راغب ... بمنازل من دونها حجاب
إن حال دون لقائكم بوابكم ... فاللَّه ليس لبابه بواب
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر، أخبرنا محمد بن أبي نصر الحميدي، أنشدنا أبو غالب محمد بن أحمد بن سهل النحوي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الحسين بْن دينار، قَالَ: أنشدني أَبُو الفرج الأصبهاني، قَالَ: أنشدنا جحظة:
لنا صاحب من أبرع الناس في البخل ... وأفضلهم فيه وليس بذي فضل
دعاني كما يدعو الصديق صديقه ... فجئت كما يأتي إلى مثله مثلي
فلما جلسنا للغداء رأيته ... يرى إنما من بعض أعضائه أكلي
ويغتاظ أحيانا ويشتم عبده ... وأعلم أن الغيظ والشتم من أجلي
أمد يدي سرا لآكل لقمة ... فيلحظني شزرا فأعبث بالبقل
إلى أن جنت كفى لحيني جناية ... وذلك أن الجوع أعدمني عقلي
فأهوت يميني نحو رجل دجاجة ... فجرت كما جرت يدي رجلها رجلي
قَالَ أَبُو غالب: ومما وقع لنا عاليا من شعر جحظة ما أنشدناه أَبُو الحسن الفك بْن كلكلة الطنبوري، وَكَانَ يقول: إنه بلغ من السن مائة وخمس عشرة سنة قَالَ: أنشدنا أستاذي جحظة لنفسه:
رحلتم فكم من أنة بعد حنة ... مبينة للناس حزني عليكم
وقد كنت أعتقت الجفون من البكا ... فقد ردها في الرق شوقي إليكم





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید