المنشورات

بجكم التركي

كان أمير الجيش، وكان يلقب أمير الأمراء قبل ملك بني بويه، وكان عاقلا [9]يفهم بالعربية ولا يتكلم بها، ويقول: أخاف أن أخطئ، والخطأ من الرئيس قبيح وكان يقول [1] : إن كنت لا أحسن العلم والأدب فأحب أن لا يكون في الأرض أديب ولا عالم ولا رائس صناعة [2] إلا في جنبتي، وتحت اصطناعي، وكان قد استوطن واسطا، وقرر مع الراضي باللَّه أن يحمل إلى خزانته [3] [من مالها] [4] في كل سنة [5] ثماني مائة ألف دينار بعد أن يخرج الغلة [6] في مئونة خمسة آلاف فارس يقيمون بها، وكان قَدْ [7] أظهر العدل، وكان يقول: قد نبئت أن العدل اربح للسلطان في الدنيا والآخرة، وبنى دار ضيافة للضعفاء والمساكين بواسط، وابتدأ بعمل [8] المارستان ببغداد وهو الذي جدده عضد الدولة، وكانت أمواله كبيرة [9] فكان يدفنها في داره وفي الصحاري، وكان يأخذ رجالا في صناديق فيقفلها عليهم، ويأخذ صناديق فيها مال ويقود هو بهم إلى الصحراء، ثم يفتح عليهم فيعاونونه في دفن المال، ثم يعيدهم إلى الصناديق، فلا يدرون أي/ موضع حملهم، ويقول: إنما أفعل هذا لأني أخاف أن يحال بيني وبين [10] داري، فضاعت بموته الدفائن.
وبعث بجكم إلى سنان بن ثابت الطبيب بعد موت الراضي، وسأله أن ينحدر إليه إلى واسط، فانحدر إليه فأكرمه، وقال له: [إني] [11] أريد أن أعتمد عليك في تدبير بدني، وفي أمر آخر هو أحب إلي [12] من أمر بدني [13] ، وهو أمر أخلاقي لثقتي بعقلك [ودينك] [1] فقد غمتني غلبة الغضب والغيظ، وإفراطهما في حتى أخرج إلى ما أندم عليه عند سكونهما من ضرب وقتل، وأنا أسألك أن تتفقد لي ما أعمله [2] فإذا وقفت لي على عيب لم تحتشم أن تصدقني عنه، وتنبهني عليه، ثم ترشدني إلى علاجه. فقال له: السمع والطاعة، أنا أفعل ذلك، ولكن يسمع [3] الأمير مني بالعاجل [جملة] [4] علاج ما أنكره من نفسه إلى أن آتي بالتفصيل في أوقاته، اعلم أيها الأمير أنك قد أصبحت [وليس] [5] فوق يدك يد [لأحد] [6] من المخلوقين وأنك مالك [7] [لكل] [8] ما تريده [9] قادر على أن تفعله أي وقت أردته، لا يتهيأ لأحد من المخلوقين منعك منه، ولا أن يحول بينك وبين ما تهواه، أي وقت أردت، واعلم أن الغيظ والغضب يحدث [في] [10] الإنسان سكرا أشد من سكر النبيذ بكثير، فكما أن الإنسان يفعل [11] في وقت السكر من النبيذ ما لا يعقل به ولا يذكره إذا صحا، ويندم عليه إذا حدث به، ويستحيي منه، كذلك يحدث له في وقت [السكر من] [12] الغيظ بل أشد، فإذا ابتدأ بك الغضب، فضع في نفسك أن تؤخر العقوبة إلى غد، واثقا بأن ما تريد أن تعمله في الوقت لا يفوتك عمله، فإنك إذا بت ليلتك سكنت فورة [13] غضبك، وقد قيل: أصح ما يكون الإنسان رأيا إذا استدبر ليله/ واستقبل نهاره. فإذا صحوت من غضبك [14] فتأمل الأمر الذي أغضبك، وقدم أمر الله عز وجل أولا، والخوف منه، وترك التعرض لسخطه، واشف غيظك بما لا يؤثمك، فقد قيل: «ما شفى غيظه [1] من إثم» واذكر قدرة الله عليك، فانك تحتاج [2] إلى رحمته وإلى أخذه بيدك في أوقات شدائدك، فكما تحب أن يغفر لك، كذلك غيرك يحب أن تعفو عنه [3] ، واذكر أي ليلة [4] بات المذنب قلقا لخوفه منك [5] ، وما يتوقعه من عقوبتك، وأعرف مقدار ما يصل إليه من السرور بزوال الرعب عنه، ومقدار الثواب الذي يحصل لك بذلك، واذكر قوله تعالى: (أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ) 24: 22 [6] وإنما يشتد عليك ذلك مرتين أو ثلاثا، ثم تصير عادة لك [7] وخلقا [فيسهل] [8] . فابتدأ بجكم فعمل بما قال له [وعمل بواسط وقت المجاعة دار ضيافة، وببغداد مارستان ورفق بالرعية] [9] إلا أن مدته لم تطل.
أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزاز، عن أبي القاسم [10] التنوخي، عن أبيه قال:
حدثني عبد السلام بن الحارث قال: جاء رجل من الصوفية إلى بجكم فوعظه وتكلم بالفارسية والعربية حتى أبكاه بكاء شديدا، فلما ولي قال بجكم لبعض من حضره [11] :
احمل معه ألف درهم. فحملت وأقبل بجكم على من بين يديه، فقال: ما أظنه يقبلها وهذا متخرق بالعباده [12] : أيش يعمل بالدراهم؟ فما كان بأسرع من أن جاء [13] الغلام فارغ اليد فقال لَهُ بجكم [1] : أعطيته إياها؟ قال: نعم. فقال بجكم: كلنا صيادون ولكن الشباك تختلف.
وخرج بجكم [يوما] [2] يتصيد فلقي قوما من الأكراد مياسير [3] فشره إلى أموالهم، فقصدهم في عدد يسير من غلمانه مستهينا [بأمرهم] [4] ، فهربوا من بين يديه [5] وتفرقوا فدار [6] غلام منهم من خلفه، فطعنه/ بالرمح، وهو لا يعرفه فقتله [7] لسبع بقين من رجب [8] هذه السنة، وكانت إمارته سنتين وثمانية أشهر وتسعة أيام.
فركب المتقي إلى داره فنزلها ونقل ما كان فيها [9] ، وحفر أساساتها [10] ، فحصل به من ماله ما يزيد على ألفي ألف [11] عينا وورقا، وقيل للروزجارية: خذوا التراب أجرتكم [12] . فأبوا، فأعطوا ألفي درهم، وغسل التراب فخرج منه ستة وثلاثون ألف درهم، وقيل: ظهر له على ألف ألف وثلاثمائة ألف دينار عينا [وورقًا] [13] ، وبيع له من أصناف الأموال والرقيق والجواهر والكساء والمراكب والأواني والرقيق [14] والخف والحافر والسلاح أمر عظيم، سوى ما نهب وتلف، ثم ظهر على مال عظيم في [داره] [15] سوى المال الأول مدفون، فمن ذلك ستة عشر قمقما [ذهبا] [1] يحمل القمقم في الدهق لثقله [2] .






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید