المنشورات

نزول أحمد بن بويه بباجسرى

وورد الخبر بأن معز الدولة أبا الحسين [2] أحمد بن بويه قد نزل بباجسرى فاضطرب الناس، واستتر المستكفي باللَّه، وعبر الأتراك إلى الجانب الغربي، وساروا إلى الموصل، وبقي الديلم ببغداد، ووجه المستكفي بألطاف وفاكهة وطعام لأبي الحسين بن بويه [3] ودخل أبو الحسين فلقي المستكفي باللَّه ووقف بين يديه طويلا وأخذت عليه البيعة للمستكفي [4] ، واستحلف له بأغلظ الأيمان ولخواصه، وحلف المستكفي لأبي الحسين بن بويه وأخويه، وكتب بذلك كتاب، ووقعت فيه الشهادة عليهما، ولبس أبو الحسين الخلع، وطوق، وسور، وعقد له لواء، وجعل أمير الأمراء وهو [أول] [5] ملوك بني بويه، ولقب أخواه الأكبر [علي] [6] عماد الدولة، وأخوه الأوسط [1] أبو علي الحسن ركن الدولة، وأمر أن تضرب ألقابهم وكناهم على الدنانير والدراهم، ونزل الديلم والأتراك دور الناس، ولم يكن يعرف ببغداد قبل هذا التنزل، فصار من هذا اليوم رسما.
أنبأنا [2] محمد بن عبد الباقي أَنْبَأَنَا [3] عَلِي بْن المحسن التنوخي، عَنْ أَبِيهِ قال:
ومن أعجب الأشياء [4] المتولدة في زمن معز الدولة السعي والصراع وذلك أن معز الدولة [5] احتاج إلى السعادة ليجعلهم/ فيوجا بينه وبين أخيه ركن الدولة إلى الري، فيقطعون تلك المسافة البعيدة في المدة القريبة وأعطى على جودة السعي والرغائب، فحرص أحداث بغداد وضعفاؤهم على ذلك حتى انهمكوا فيه وأسلموا أولادهم إليه [6] فنشأ ركابيان بباب معز الدولة [7] يعرف أحدهما بمرعوش، والآخر بفضل، يسعى كل واحد منهما نيفا [8] وثلاثين فرسخا [في يوم] [9] من طلوع الشمس إلى غروبها يترددون ما بين عكبرا وبغداد وقد رتب [10] على كل فرسخ من الطريق قوما يحضون عليهم، فصاروا أئمة السعاة ببغداد، وانتسب السعاة إليهم، وتعصب الناس لهم، واشتهي معز الدولة الصراع، فكان يعمل بحضرته حلقة في ميدانه، ويقيم شجرة يابسة تنصب في الحال ويجعل عليها الثياب الديباج والعتابي والمروزي، وتحتها أكياس [11] فيها [12] [دنانير و] [13]
دراهم، ويجمع على سور الميدان المخانيث بالطبول والزمور، وعلى باب الميدان الدبادب، ويؤذن للعامة في دخول الميدان، فمن غلب أخذ الثياب والشجرة والدراهم، ثم دخل في ذلك أحداث بغداد فصار في كل موضع صراع، فإذا برع أحدهم [1] صارع بحضرة معز الدولة، فإن غلب أجريت عليه الجرايات، فكم من عين ذهبت بلطمة، وكم من رجل اندقت عنقه [2] وشغف شبان معز الدولة [3] بالسباحة، فتعاطاها أهل بغداد حتى أحدثوا فيها الطرائف، فكان الشاب يسبح قائما وعلى يده كانون فوقه حطب يشتعل تحت قدر إلى أن تنضج، ثم يأكل منها إلى أن يصل [4] إلى دار السلطان.
وفي ربيع الآخر: قلد القاضي أبو السائب عتبة بن عبيد الله/ القضاء في الجانب [5] الشرقي [6] ، وأقر القاضي أبو طاهر على الجانب الغربي [7] .
وقلد أبو الحسن محمد بن صالح الهاشمي [قضاء مدينة أبي جعفر.
وفي هذه السنة جمع القاضي أَبُو الحسن مُحَمَّد بن صالح الهاشمي] [8] أبا عبد الله [9] محمد بن أبي موسى الهاشمي وأبا نصر يوسف بن أبي الحسين عمر بن محمد القاضي في منزله حتى اصطلحا وتعاقدا على التصافي، وأخذ كل واحد منهما خط صاحبه بتزكيته، وربما توكد الصلح بينهما، وكانا قد خرجا إلى أقبح المباينة حتى أشهد أبو نصر وهو والي قضاء مدينة السلام على نفسه بإسقاط أبي عبد الله، وأنه غير موضع للشهادة، وسعى أبو عبد الله في صرفه ومعارضته بما يكره حتى تهيأ له في ذلك ما أراد.
وفي يوم الخميس لثلاث [1] بقين من جمادى الآخرة: انحدر معز الدولة إلى دار الخلافة فسلم على الخليفة، وقبل الأرض، وقبل يد المستكفي، وطرح له كرسي فجلس، ثم تقدم رجلان من الديلم فمدا أيديهما إلى المستكفي وطالبا بالرزق فلما مدا أيديهما ظن أنهما يريدان تقبيل يده فناولهما يده [2] فجذباه فنكساه من السرير، ووضعا عمامته في عنقه [3] وجراه ونهض معز الدولة واضطرب الناس ودخل الديلم [4] إلى دور الحرم، وحمل المستكفي راجلا إلى دار معز الدولة [5] فاعتقل بها وخلع من الخلافة، ونهبت الدار حتى لم يبق بها [6] شيء، وسمل المستكفي، وكانت مدة خلافته [7] سنة وأربعة أشهر ويومين، وأحضر الفضل بن المقتدر يوم الخميس لثمان بقين من جمادى الآخرة فبويع ولقب المطيع للَّه [8] .





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید