المنشورات

محمد بن عبد الواحد بن أبي هاشم، أبو عمر اللغوي الزاهد، المعروف بغلام ثعلب

سمع أحمد بن عبيد الله النرسي [7] ، وموسى بن سهل الوشاء، والكديمي وغيرهم، وكان غزير العلم، كثير الزهد روى عنه ابن رزقويه [8] وابن بشران، وآخر من حدث عنه أبو علي بن شاذان.
أخبرنا [9] محمد بن عبد الباقي، أخبرنا [10] علي بن أبي علي، عن أبيه قال: ومن الرواة الذين لم ير قط أحفظ منهم: أبو عمر غلام ثعلب، أملى من حفظه ثلاثين [1] ألف ورقة لغة فيما بلغني، وجميع كتبه التي في أيدي الناس إنما أملاها بغير تصنيف، ولسعة حفظه اتهم بالكذب/ وكان يسأل عن الشيء الذي يقدر السائل أنه قد وضعه فيجيب عنه، ثم يسأله غيره عنه بعد سنة على مواطأة فيجيب بذلك الجواب بعينه.
أخبرني [2] بعض أهل بغداد قال: كنا نجتاز على قنطرة الصراة نمضي إليه مع جماعة فتذاكروا كذبه، فقال بعضهم: أنا أصحف له القنطرة وأسأله عنها، فلما صرنا بين يديه قال له: أيها الشيخ، ما القنطرة عند العرب [3] ؟ فقال كذا [4] وذكر شيئا قد أنسيته أنا- قال: فتضاحكنا وأتممنا المجلس وانصرفنا، فلما كان بعد أشهر [5] ذكرنا الحديث فوضعنا رجلا غير ذلك فسأله فقال، ما القنطرة فقال: أليس قد سئلت عن هذه المسألة منذ كذا وكذا شهرا فقلت هي كذا؟ قال: فما درينا في أي الأمرين نعجب: في ذكائه إن كان علما فهو اتساع [6] ظريف، وان كان كذبا عمله في الحال، ثم قد [7] حفظه، فلما سئل عنه ذكر الوقت والمسألة فأجاب بذلك الجواب فهو أظرف.
قال أبي: وكان معز الدولة قد قلد شرطة بغداد مملوكا تركيا يعرف بخواجا، فبلغ أبا عمر الخبر، وكان يملي الياقوتة [فلما جاءوه] قال [8] : اكتبوا ياقوتة خواجا، الخواج في اللغة الجوع، ثم فرع على هذا بابا فأملاه، فاستعظم الناس ذلك، وتتبعوه، فقال أبو علي الحاتمي: أخرجنا في أمالي الحامض عن ثعلب عن ابن الأعرابي الخواج الجوع.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ [9] الْقَزَّازِ قَالَ: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال:
حدثنا [1] رئيس الرؤساء أبو القاسم علي بن المحسن عمن حدثه: أن أبا عمر الزاهد كان يؤدب ولد القاضي أبي عمر، فأملى يوما على الغلام نحوا من ثلاثين مسألة في اللغة، وذكر غريبها وختمها ببيتين من الشعر، وحضر أبو بكر بن دريد، وابن الأنباري، وابن مقسم عند أبي عمر القاضي، فعرض عليهم تلك المسائل، فما عرفوا منها شيئا، وأنكروا الشعر، فقال لهم القاضي: ما تقولون فيها/ فقال له ابن الأنباري: أنا مشغول بتصنيف «مشكل القرآن» ولست أقول شيئا. وقال ابن مقسم مثل ذلك لاشتغاله بالقراءات، وقال ابن دريد: هذه المسائل من موضوعات أبي عمر، ولا اصل لشيء منها في اللغة! وانصرفوا، وبلغ أبا عمر ذلك فاجتمع مع القاضي وسأله إحضار دواوين جماعة من قدماء الشعراء عينهم له، ففتح القاضي خزانته وأخرج له تلك الدواوين فلم يزل أبو عمر يعمد إلى كل مسألة ويخرج لها شاهدا من بعض تلك الدواوين [2] ، ويعرضه [3] على القاضي حتى استوفي جميعها، ثم قال: وهذان البيتان أنشدهما ثعلب بحضرة القاضي، وكتبهما القاضي بخطه على ظهر كتاب القاضي، فأحضر القاضي [4] الكتاب فوجد البيتين على ظهره بخطه كما ذكر أبو عمر، وانتهت القصة إلى ابن دريد، فلم يذكر أبا عمر بلفظه حتى مات.
أخبرنا عبد الرحمن، أخبرنا أحمد بن علي، أخبرنا عبد الصمد بن محمد الخطيب أنبأنا [5] الحسن بن الحسين الهمذاني قال: سمعت أبا الحسن بن المرزبان يقول: كان ابن ماسي ينفذ إلى أبي عمر كفايته ينفقها على نفسه، فقطع عنه ذلك مدة لعذر، ثم أنفذ إليه ما انقطع جملة، وكتب إليه رقعة يعتذر من تأخير ذلك عنه، فرده وأمر من بين يديه أن يكتب على ظهر رقعته: أكرمتنا فملكتنا، ثم أعرضت عنا فأرحتنا. قال أحمد بن علي: لا شك أن ابن ماسي هو: إبراهيم بن أيوب والله أعلم [6] .
توفي أبو عمر يوم الأحد ودفن يوم الاثنين لثلاث عشرة خلت من ذي القعدة من هذه السنة، ودفن في الصفة المقابلة لقبر معروف، ودفن فيها بعده أبو بكر الآدمي، وعبد الصمد بن علي الطشتي، وقبور الثلاثة ظاهرة.





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید