المنشورات

دعلج بن أحمد بن دعلج بن عبد الرحمن، أبو محمد السجستاني المعدل

سمع الحديث ببلاد خراسان، والري، وحلوان، وبغداد، [والبصرة] [4] ومكة وكان من ذوي اليسار والمشهورين بالبر والأفضال، وله صدقات جارية ووقوف على أهل الحديث ببغداد ومكة وسجستان، وكان قد جاور بمكة زمانًا، فجاء قوم من العرب [5] ، فقالوا: إن أخًا لك من أهل خراسان قتل أخًا لنا [6] فنحن نقتلك به. فقال: اتقوا الله، فإن خراسان ليست بمدينة واحدة فاجتمع الناس فخلوا سبيله [7] فانتقل إلى بغداد فاستوطنها، وكان يقول: ليس في الدنيا مثل داري وذلك [8] أنه ليس في الدنيا مثل/ بغداد، ولا ببغداد مثل القطيعة، ولا في القطيعة مثل درب أبي خلف، وليس في الدرب مثل داري.
وحدَّث ببغداد عن عثمان بن سعيد الدارمي، والحسن بن سفيان النسوي، وابن البراء، والباغندي، وعبد الله بن أحمد، وخلق كثير. روى عنه ابن حيويه، والدارقطني، وابن رزقويه، وعلي، وعبد الملك ابنا بشران وغيرهم، وكان ثقة ثبتا مأمونا، قبل الحكام شهادته، وصنف له الدارقطني كتبًا منها: «المسند الكبير» فكان إذا شك في حديث ضرب عليه، قال الدارقطني: لم أر في مشايخنا أثبت منه.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ [أَحْمَد بن علي] [1] ، قَالَ: حدثني مُحَمَّد بن علي بن عبد الله الحداد، عن شيخ سماه، قال: حضرت يوم الجمعة الجامع بمدينة المنصور. قال: وحدثني [2] أبو القاسم الأزهري، عن أبي عمر ابن حيويه قال:
أدخلني دعلج إلى داره وأراني بدرًا من المال معبأة في منزله، وقال: يا أبا عمر، خذ من هذا ما شئت، فشكرت له، وقلت له: أنا في كفاية عنها، ولا حاجة لي فيها.
أخبرنا أبو منصور، أخبرنا أبو بكر بن ثابت، قال: حدثني محمد بن علي بن عبد الله الحداد، عن شيخ سماه، قال: حضرت يوم الجمعة مسجد الجامع بمدينة المنصور، فرأيت رجلا بين يدي في الصف حسن الوقار، ظاهر الخشوع، دائم الصلاة، لم يزل يتنفل مذ دخل المسجد إلى قرب قيام الصلاة [3] ، ثم جلس فغلبتني هيبته، ودخلت قلبي محبته، ثم أقيمت الصلاة فلم يصل مع الناس فكبر على ذلك وتعجَّبتُ من حاله، وغاظني فعله، فلما قضيت تقدمت إليه وقلت له: [4] أيها الرجل، ما رأيت أعجب من أمرك، أطلت النافلة وأحسنتها، وضيعت [5] الفريضة وتركتها [6] . فقال لي: يا هذا، إن لي/ عدوًا وبي علة منعتني من الصلاة، قلت: وما هي؟ قال: أنا رجل عليَّ دين، اختفيت في منزلي مدة بسببه، ثم حضرت اليوم الجامع للصلاة، فقبل أن تقام التفت فرأيت صاحبي الذي له الدين [علي] [7] ورآني، فمن خوفه أحدثت في ثيابي [وهذا عذري] [8] فأسألك باللَّه إلا سترت علي وكتمت أمري، فقلت له: ومن الّذي له عليك الدين؟ فقال: دعلج بن أحمد، وكان إلى جانبه صاحب لدعلج قد صلى وهو لا يعرفه، فسمع هذا القول ومضى في الوقت إلى دعلج [1] ، فذكر له القصة، فقال له دعلج: امض إلى الرجل واحمله إلى الحمام، واطرح عليه خلعة من ثيابي، وأجلسه في منزلي حتى انصرف من الجامع. ففعل الرجل ذلك، فلما انصرف دعلج إلى منزله أمر بالطعام، فأحضر، وأكل هو والرجل، ثم أخرج حسابه فنظر فيه، فإذا عليه خمسة آلاف درهم، فقال [له] [2] . انظر لا يكون عليك في الحساب غلط أو نسي لك نقده. فقال [له الرجل] [3] : لا، فضرب دعلج على حسابه وكتب تحته الوفاء، ثم أحضر الميزان ووزن له خمسة آلاف درهم، وقال له: أما الحساب الأول فقد أحللناك منه [4] مما بيننا وبينك فيه، واسألك أن تقبل هذه الخمسة آلاف درهم، وتجعلنا في حل من الروعة التي دخلت قلبك برؤيتك إيانا في المسجد الجامع.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بن ثابت، قال: حدثني أبو منصور محمد بن محمد بن أحمد العُكْبري، قال: حدثني أبو الحسين [أحمد] [5] بن الحسين الواعظ، قال: أودع أبو عبد الله بن أبي موسى الهاشمي عشرة آلاف دينار ليتيم، فضاقت يده وامتدت إليها فأنفقها، فلما بلغ الغلام مبلغ الرجال أمر السلطان بفك الحجر عنه، وتسليم ماله إليه، وتقدم إلى ابن أبي موسى بحمل المال ليسلم إلى الغلام، قال ابن أبي موسى: فلما تقدم إلي بذلك ضاقت على الأرض بما رحبت، وتحيرت في أمري لا أعلم من أي وجه أغرم المال، فبكرت من داري وركبت بغلتي، وقصدت الكرخ لا أعلم اين أتوجه/ وانتهت بي بغلتي [6] إلى درب السلولي، ووقفت بي على باب مسجد دعلج بن أحمد، فثنيت رجلي ودخلت المسجد، وصليت صلاة الفجر خلفه، فلما سلم أقبل [1] إليَّ ورحب بي، وقام وقمت معه، ودخل إلى داره، فلما جلسنا جاءته الجارية بمائدة لطيفة وعليها هريسة، فقال: يأكل الشريف، فأكلت وأنا لا أحصل أمري، فلما رأي تقصيري قال: أراك منقبضا فما الخبر؟ فقصصت عليه قصتي، وأني أنفقت المال، فقال: كل، فإن حاجتك تقضى، ثم أحضر حلوى فأكلنا، فلما رفع الطعام وغسلنا أيدينا قال: يا جارية افتحي ذلك الباب. فإذا خزانة مملوءة زبلا [2] مجلدة فأخرج إلي بعضها وفتحها إلى أن أخرج النقد الذي كانت الدنانير منه، واستدعى الغلام والتخت والطيار، فوزن عشرة آلاف دينار وبدرها، وقال: يأخذ الشريف هذه، فقلت:
يثبتها الشيخ علي فقال: أفعل، وقد كاد عقلي يطير فرحًا، فركبت بغلتي وتركت الكيس على القربوس، وغطيته بطيلساني وعدت إلى داري، وانحدرت إلى السلطان بقلب قوي، وجنان ثابت، فقلت: ما أظن إلا أنه قد استشعر فيَّ أني قد أكلت مال اليتيم، واستبددت به، والمال فقد أخرجته، فاحضر قاضي القضاة والشهود، والنقباء، وولاة العهود، وأحضر الغلام وفك حجره، وسلم المال إليه، وعظم الشكر لي، والثناء عليَّ، فلما عُدت إلى منزلي استدعاني أحد الأمراء من أولاد الخلافة، وكان عظيم الحال، فقال: قد رغبت في معاملتك [وتضمينك أملاكي] [3] ببادية يا ونهر [4] الملك، فضمنت ذلك بما تقرر بيني وبينه من المال، وجاءت السنة، ووفيته وحصل في يدي من الربح ما له قدر كبير، وكان ضماني لهذه الضياع ثلاث سنين، فلما مضت حسبت حسابي، / وقد تحصل في يدي ثلاثون ألف دينار، فعزلت عوض العشرة آلاف دينار التي أخذتها من دعلج وحملتها إليه، وصليت معه الغداة، فلما انفتلت [5] وانفتل من صلاته رأني، فنهض معي إلى داره، وقدم المائدة والهريسة، فأكلت بجأش ثابت وقلب طيب، فلما قضينا الأكل، قال لي: خبرك وحالك، فقلت: بفضل الله وبفضلك قد أفدت بما فعلته معي ثلاثون ألف دينار، وهذه عشرة آلاف عوض الدنانير التي أخذتها منك، فقال: يا سبحان الله، والله ما خرجت الدنانير عن يدي ونويت آخذ عوضها حل بها الصبيات، فقلت له:
يا شيخ أيش أصل هذا المال حتى تهب لي عشرة آلاف دينار؟ فقال: اعلم أني نشأت، وحفظت القرآن، وسمعت الحديث، وكنت أتبرز، فوافاني رجل من تجار البحر، فقال لي: أنت دعلج بن أحمد؟ فقلت: نعم فقال: قد رغبت في تسليم مالي إليك لتتجر به، فلما سهل الله من فائدة كانت بيننا، وما كان من جائحة كانت في اصل مالي، فسلم إليَّ بارنامجات [1] بألف ألف درهم، وقال لي: ابسط يدك ولا تعلم موضعا تنفق فيه هذا المتاع إلا حملته إليه، ولم يزل يتردد إليَّ سنة بعد سنة يحمل إليَّ مثل هذا، والبضاعة تنمى، فلما كان في آخر سنة اجتمعنا، قال لي: أنا كثير الأسفار في البحر فإن قضى الله علي بما [2] قضاه على خلقه فهذا المال لك، على أن تتصدق منه وتبني المساجد، وتفعل الخير، فأنا أفعل مثل هذا، وقد ثمَّر الله المال في يدي، فأسألك أن تطوي هذا الحديث أيام حياتي.
توفي دعلج في جمادى الآخرة من هذه السنة، وهو ابن أربع أو خمس وتسعين سنة.






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید