المنشورات

في اليوم العاشر من المحرم أغلقت الأسواق ببغداد

وعطل البيع، ولم يذبح القصابون [ولا طبخ الهراسون] [1] ولا ترك الناس أن يستقوا الماء، ونصبت القباب في الأسواق، وعلقت عليها المسوح، وخرجت النساء منتشرات/ الشعور يلطمن في الأسواق، وأقيمت النائحة [2] على الحسين عليه السلام.
وفي نصف ربيع الأول: ورد الخبر بأن ألف رجل من الأرمن ساروا [3] إلى الرها، فاستاقوا خمسة آلاف رأس من الغنم، وخمسمائة من البقر والدواب، واستأسروا عشرة أنفس، وانصرفوا موقرين.
وفي جمادى الآخرة: قلد أبو بشر عمر بن أكثم القضاء بمدينة السلام بأسرها، على أن يتولى ذلك بلا رزق، وخلع عليه، ورفع عنه ما كان يحمله أبو العباس بن أبي الشوارب، وأمر أن لا يمضي شيئا من أحكام أبي العباس، وفي شعبان: قلد قضاء القضاة.
وفي شعبان: مات الدمستق الذي فتح بلدة حلب، واسمه: نقفور.
وفي ليلة الخميس ثامن عشر ذي الحجة: وهو يوم «غدير خم» [1] أشعلت النيران، وضربت الدبادب والبوقات، وبكر الناس إلى مقابر قريش.
قال ثابت بن سنان المؤرخ: حدثني جماعة من أهل الموصل ممن أثق [2] به: أن بعض بطارقة الأرمن أنفذ في سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة إلى ناصر الدولة رجلين من الأرمن ملتصقين بينهما خمس وعشرون سنة سليمين [3] ، ومعهما أبوهما، وأن الالتصاق كان في المعدة، ولهما بطنان، وسرتان، ومعدتان، وأوقات جوعهما وعطشهما تختلف، وكذلك أوقات البول والبراز، ولكل واحد منهما صدر وكتفان، وذراعان، ويدان، وفخذان، وساقان، وقدمان وإحليل، وكان احدهما يميل إلى النساء والآخر يميل إلى الغلمان، وكان أحدهما إذا دخل إلى المستراح/ دخل قرينه معه، وأن ناصر الدولة وهب لهما ألفي درهم، وأراد أن يحدرهما إلى بغداد ثم انصرف رأيه عن ذلك [4] .
أخبرنا محمد بن أبي طاهر، أَخْبَرَنَا عَلِي بْن الْمُحْسِنِ التَّنُوخِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
حدثني أبو محمد يحيى بن محمد بن فهد، وأبو عمر أحمد بن محمد الخلال، قالا:
حدثنا جماعة كثيرة العدد من أهل الموصل وغيرهم ممن كنا نثق بهم ويقع لنا العلم بصحة ما حدثوا به لكثرته وظهوره وتواتره: أنهم شاهدوا بالموصل سنة نيف وأربعين وثلاثمائة رجلين أنفذهما صاحب أرمينية إلى ناصر الدولة للأعجوبة منهما، وكان لهما نحو من ثلاثين سنة، وهما ملتزقان من جانب واحد ومن حد فويق الحقو إلى دوين [5] الإبط، وكان معهما أبوهما، فذكر لهم أنهما ولدا كذلك توأمًا تراهما يلبسان قميصين وسراويلين كل واحد منهما، لباسهما مفردا إلا أنهما لم يكن يمكنهما لالتزاق كتفيهما وأيديهما في المشي لضيق دلك عليهما، فيجعل كل واحد منهما يده التي تلي أخاه من جانب الالتزاق خلف ظهر أخيه ويمشيان كذلك، وإنما كانا يركبان دابة واحدة ولا يمكن أحدهما التصرف إلا بتصرف الآخر [1] معه، وإذا أراد أحدهما الغائط قام الآخر معه [2] وإن لم يكن محتاجا، وأن أباهما حدَّثهم أنه لما ولدا أراد أن يفرق بينهما، فقيل له:
انهما يتلفان لأن التزاقهما من جنب الخاصرة، وأنه لا يجوز أن يسلما، فتركهما، وكانا مسلمين، فأجازهما ناصر الدولة، وخلع عليهما، وكان الناس بالموصل يصيرون إليهما فيتعجبون منهما ويهبون لهما.
قال أبو محمد: وأخبرني جماعة أنهما خرجا إلى بلدهما، فاعتل أحدهما ومات/ وبقي الآخر أيامًا حتى أنتن وأخوه حي لا يمكنه التصرف، ولا يمكن الأب دفن الميت إلى أن لحقت الحي علة من الغم والرائحة، فمات أيضا فدفنا جميعا وكان ناصر الدولة قد جمع لهما الأطباء وقال: هل من حيلة في الفصل بينهما، فسألهما الأطباء عن الجوع، هل تجوعان في وقت واحد؟ فقال: إذا جاع الواحد منا تبعه جوع الآخر بشيء يسير من الزمان، وإن شرب أحدنا دواء مسهلًا انحل طبع الآخر بعد ساعة، وقد يلحق أحدنا الغائط ولا يلحق الآخر، ثم يلحقه بعد ساعة فنظروا فإذا لهما جوف واحد وسرة واحدة ومعدة واحدة وكبد واحد وطحال واحد، وليس من الالتصاق أضلاع، فعلموا أنهما إن فصلا تلفا، ووجدوا لهما ذكران، وأربع بيضات، وكان ربما وقع بينهما خلاف وتشاجر فتخاصما أعظم خصومة، حتى ربما حلف أحدهما لا أكلم الآخر أيامًا، ثم يصطلحان.





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید