المنشورات

وقوع جراحات بين السّنّة والشيعة

أنه عمل في عاشوراء مثل ما عمل في السنة الماضية من تعطيل الأسواق وإقامة النوح، فلما أضحى النهار [يومئذ] [1] وقعت فتنة عظيمة في قطيعة أم جعفر وطريق مقابر قريش بين السنة والشيعة، ونهب الناس بعضهم بعضا، ووقعت بينهم جراحات.
وورد الخبر بنزول جيش ضخم من الروم على المصيصة وفيه الدمستق، وأقام عليها سبعة أيام، ونقب في سورها نيفا وستين نقبًا ولم يصل، ودافعه أهلها وانصرف، إذ قصرت به الميرة بعد أن أقام ببلاد الإسلام خمسة عشر يوما، وأحرق الدمستق [2] المصيصة [وأذنة، وطرطوس، وذلك لمعاونتهم أهل مصيصة على الروم] [3] ، فظفر بهم الروم، فقتلوا منهم نحو خمسة آلاف رجل، وقتل أهل أذنة وأهل [4] طرسوس من الروم عددا كثيرا. وقال الدمستق قبل انصرافه عن المصيصة: يا أهل المصيصة، أني منصرف عنكم لا لعجز عن فتح مدينتكم، ولكن لضيق العلوفة، وأنا عائد إليكم بعد هذا الوقت، فمن أراد منكم الهرب فليهرب قبل رجوعي، فمن وجدته قتلته.
وورد الخبر في ربيع الأول: أن الغلاء بأنطاكية وسائر الثغور اشتد حتى لم يقدر على الخبز، وانتقل من الثغور إلى دمشق وغيرها خمسون ألفا هربا من الغلاء.
وفي جمادى الأولي: ورد الخبر بأن الهجريين أنفذوا سرية إلى طبرية واستمدوا [1] من سيف الدولة حديدًا فقلع [2] أبواب الرقة- وكانت من حديد- وأخذ كل حديد وجد حتى أخذ صنجات الباعة والبقالين، فبعثها إليهم حتى كتبوا إليه: إننا قد استغنينا.
وفي جمادى الآخرة: أراد معز الدولة الإصعاد إلى الموصل، فانحدر إلى الخليفة فودعه وخرج.
وروى هلال/ بن المحسن الصابي، عن أبي الحسن ابن الخراساني حاجب معز الدولة، قال: كنت مع معز الدولة بحضرة المطيع، فلما تقوض المجلس قال لي: قل للخليفة: أريد أن أطوف الدار وأشاهدها، وأتأمل صحونها وبساتينها، فيتقدم إليَّ مَنْ يمشي معي ويطيفني. فقلت له ذلك، فتقدم إلى خادمه شاهك وحاجبه ابن أبي عمرو، فمشيا بين يديه وأنا وراءهما بعدنا عن حضرة الخليفة، فقالا له [3] : لا يجوز أن نتخرق الدار في أكثر من نفسين [4] أو ثلاثة، فاختر من تريد واردد الباقين. فأخذ أبا جعفر الصيمري معه، ونحن عشرة من غلمانه وحجابه، ووقف باقي الجند والحواشي في صحن السلام، ودخلنا ومضى الأمير مسرعا فلحقته وجذبت قباءه من خلفه، فالتفت إلي، فقلت له بالفارسية وأصحاب الخليفة لا يعرفونها: في أي موضع [5] أنت حتى تسترسل هذا الاسترسال، وتعدو من غير تحفظ ولا استظهار، ألا تعلم أنه قد فتك في هذا الدار بألف أمير ووزير، وما كان غرضك في أن تطوف وحدك، أليس لو وقف لنا عشرة نفر من الخدم أو غيرهم في هذه الممرات الضيقة لأخذونا؟ فقال له الصيمري: قد صدقك، فقال: قد كان ذلك غلطا والآن فإن رجعنا الساعة علم أننا قد فزعنا وخفنا، وسقطنا بذلك من أعينهم وضعفت هيبتنا في صدورهم، ولكن احتفوا بي فإن مائة من هؤلاء لا يقاوموننا ونحن نسرع في رؤية ما نراه.
قال: فسعينا سعيًا حثيثًا وانتهينا إلى دار فيها صنم من صفر على صورة امرأة، وبين يديه أصنام صغار كالوصائف، فرأينا من ذلك ما أعجبنا، وتحير معز الدولة، وسأل عن الصنم، فقيل له: هذا صنم حمل في أيام المقتدر باللَّه من بلد من بلاد الهند [1] لما فتح صاحب عمان ذلك البلد، وقيل: إنه كان يعبد هناك: فقال معز الدولة: إني قد استحسنت/ هذا الصنم، وشغفت به، ولو كانت مكانه جارية لاشتريتها بمائة ألف دينار على قلة رغبتي في الجواري، وأريد أن أطلبه من الخليفة ليكون قريبا مني فأراه في كل وقت، فقال له الصيمري: لا تفعل، فإنه ينسبك في ذلك إلى ما ترتفع عنه.
قال: وبادرنا بالخروج، فما رجعت إلينا عقولنا إلا بعد اجتماعنا مع أصحابنا، ونزل معز الدولة الطيار، فقال لأبي جعفر الصيمري: قد ازدادت محبتي للمطيع للَّه وثقتي به، لأنه لو كان يضمر لي سوءا أو يريده بي لكنا اليوم في قبضته. فقال الصيمري:
الأمر على ذلك. وصعد معز الدولة إلى داره، وأمر بحمل عشرة آلاف درهم إلى نقيب الطالبيين ليفرقها فيهم شكرا للَّه على سلامته.





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید