المنشورات

دخول جموع الروم إلى بلاد الإسلام

دخول جموع الروم إلى بلاد الإسلام، فإنهم دخلوا نصيبين واستباحوا، وقتلوا كثيرا من رجالها، وسبوا من نسائها وصبيانها، وأقاموا بها نيفًا وعشرين يومًا، وغلبوا على ديار ربيعة بأسرها، وورد إلى بغداد خلق كثير من أهل تلك البلاد، فاستقروا [1] في الجوامع، وكسروا المنابر، ومنعوا الخطبة، وحاولوا الهجوم على دار المطيع للَّه، واقتلعوا بعض شبابيكها، حتى غلقت أبوابها، ورماهم الغلمان بالنشاب من رواشنها وحيطانها، وخاطبوه بما نسبوه فيه إلى العجز عن ما أوجبه الله على الأئمة، وأفحشوا القول، ووافق ذلك شخوص [2] عز الدولة من واسط للزيارة، فخرج إليه أهل الستر والصيانة من أهل بغداد، منهم: أبو بكر الرازي الفقيه، وأبو الحسن علي بن عيسى النحوي، وأبو القاسم الداركي، وابن الدقاق الفقيهان، وشكوا إليه ما طرق المسلمين من هذه الحادثة، فوعدهم بالغزو، واستنفر الناس [3] ، فخرج من العوام عدد الرمل/ ثم أنفذ [4] جيشًا، فهزم الروم، وقتل منهم خلق كثير، وأسر أميرهم، وجماعة من بطارقته، وأنفذت رءوس القتلى إلى بغداد، وكتب معهم كتاب إلى المطيع يبشر بالفتح.
وفي شهر رمضان: قتل رجل من صاحب المعونة في الكرخ، فبعث أبو الفضل الشيرازي، وكان قد أقامه معز الدولة مقام الوزير، في [1] طرح النار من النخاسين إلى السماكين، فاحترقت أموال عظيمة، وجماعة من الرجال والنساء والصبيان في الدور والحمامات، فأحصى ما احترق فكان سبعة عشر ألف وثلاثمائة دكان، وثلاثمائة وعشرين دارًا، أجرة ذلك في الشهر ثلاثة وأربعون ألف دينار، ودخل في الجملة ثلاثة وثلاثون مسجدًا.
فقال رجل لأبي الفضل: أيها الوزير، أريتنا قدرتك، ونحن نأمل من الله [2] تعالى أن يرينا قدرته فيك. فلم يجبه، وكثر الدعاء عليه، ووزر [3] بعد معز الدولة لابنه عز الدولة، بختيار [4] فقبض عليه، وسلَّمه للشريف أبي الحسن محمد بن عمر العلوي، فأنفذه إلى الكوفة، فسقى ذراريح [5] ، فتقرحت مثانته، فمات في ذي الحجة من هذه السنة.
وفي يوم الجمعة الثامن من شهر رمضان: دخل أبو تميم معد بن إسماعيل، الملقب بالمعز لدين الله مصر [6] ، ومعه توابيت آبائه، وكان قد مهد له أبو الحسن جوهر الأمور، وأقام له الدعوة، وبنى له القاهرة، فنزلها وكان جوهر قد دخل إلى مصر سنة ثمان وخمسين، ووطأ الأمر للمعز، وأقام له الخطبة.
وخلع المطيع في هذه السنة على أبي طاهر بن بقية وزير عز الدولة بختيار، ولقبه الناصح، وكان واسع النفس، وكانت وظيفته كل يوم من الملح [7] ألف رطل، وراتبه من الشمع في كل شهر ألف منٍّ [8] وكان عز الدولة/ قد استوزر أبا الفضل العباس بن الحسين الشيرازي صهر المهلبي في سنة سبع وخمسين، فبقي في وزارته سنتين وشهرين وثلاثة أيام، وعزله بأبي الفرج محمد بن العباس بن فسانجس، فوزر [1] له ثلاثة عشر شهرًا، وعشرة أيام، ثم أعاد أبا الفضل إلى الوزارة فعادى [2] الناس، وأحرق الكرخ، فكثر [3] الدعاء عليه، فقبض عليه [4] بختيار. قيل: وكان أبو الحسن محمد بن محمد بن بقية يخدم في مطبخ معز الدولة، وينوب عنه أخوه أبو طاهر بن بقية، ثم خدم عز الدولة في مطبخه، وارتفع أمره إلى أن احتاج إليه الوزير أبو الفضل في حفظ غيبه عند عز الدولة، ثم ضعف أمر الوزير أبي الفضل، ثم هلك فقلد عز الدولة وزارته أبا طاهر ابن بقية فقال الناس: من الغضارة إلى الوزارة، وكان كريما يغطي كَرَمُهُ عُيُوبَهُ، ووزر له أربع سنين وأحد عشر يوما، وسمله [5] عضد الدولة، وقتله وصلبه، وهو ابن نيف وخمسين سنة.





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید