المنشورات

تقليد أبى الحسن محمد بن صالح ابن أم شيبان قضاء القضاة

أنه تقلد أبو الحسن محمد بن صالح ابن أم شيبان الهاشمي قضاء القضاة، صارفًا لأبي محمد بن معروف، وكان أبو محمد قد طولب ببيع دار أبي منصور الشرابي على أبي بكر الأصبهاني الحاجب، فامتنع فقيل له: إن الوكيل الذي نصبه [1] المطيع يبيع ذلك، وليس يراد [2] منك إلا سماع الشهود والإسجال بها، فامتنع وأغلق بابه، وسأل الإعفاء عن [3] القضاء فخوطب أبو الحسن بن أم شيبان فامتنع، فألزم فأجاب، وشرط لنفسه [4] شروطا منها: أنه لا يرتزق عن الحكم، ولا يخلع عليه، ولا يأمر [5] ما لا يوجبه حكم، ولا يشفع إليه في إنفاق حق وفعل ما لا يقتضيه شرع، وقرر لكاتبه في كل شهر ثلاثمائة درهم، ولحاجبه مائة وخمسون درهمًا [6] ، وللفارض [7] على بابه مائة درهم، ولخازن دار الحكم والأعوان ستمائة درهم، وركب إلى دار المطيع حتى سلم إليه عهده، وركب من غد إلى المسجد الجامع، فقرئ فيه عهده وتولي إنشاءه أبو منصور أحمد بن عبد الله الشيرازي، وهو يومئذ صاحب ديوان الرسائل [و] نسخته [8] :
بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهده [1] عبد الله الفضل الإمام المطيع للَّه أمير/ المؤمنين إلى محمد بن صالح الهاشمي حين دعاه [2] إلى ما يتولاه من القضاء [3] من أَهْل [4] مدينة المنصور، والمدينة الشرقية من الجانب الغربي، والجانب الشرقي [5] ومدينة السلام، والكوفة، وشقي الفرات، وواسط، وكوخى، وطريقي الفرات ودجلة، وطرق [6] خراسان، وقرميسين، وحلوان، وديار مضر و [ديار] [7] ربيعة، وديار بكر، والموصل، والحرمين، واليمن، ودمشق، وحمص، وجند قنسرين، والعواصم، ومصر، والإسكندرية، وجندي فلسطين، والأردن، وأعمال ذلك كلها، وما يجري [مع] [8] ذلك من الإشراف على ما يختاره لنقابة العباسيين بالكوفة، وشقي الفرات، وأعمال ذلك، وما قلده إياه من قضاء القضاة وتصح [9] أحوال الحكام واستشراف ما يجري عليه أمر [10] الأحكام من سائر النواحي، والأمصار، والبلاد، والأقطار التي تشتمل عليها المملكة، وتنتهي إليها الدعوة، وإقرار من يحمد هديه، وطريقته واستبدال من يذم سمته وسجيته، نظرا منه للكافة، واحتياطًا للخاصة والعامة، وحنوا على الملة والذمة عن علم أنه المقدم في بيته، وشرفه، المبرز في عفافه وظلفه، المزكَّى في دينه وأمانته، الموصوف في ورعه ونزاهته، المشار إليه بالعلم والحِجَى، المجمع عليه في الحكم [11] والنهى، البعيد من الأدناس، اللابس من النقاء [1] أجمل لباس النقي، الجيب المحبور بصفاء الغيب، العالم بمصالح الدنيا، العارف بما يفيد سلامة العقبي، أمره بتقوى الله، فإنها الْجُنَّة الواقية، وأن يجعل كتاب الله في كل ما يعمل فيه رويته، ويرتب عليه حكمه وقضيته/ إمامه الذي يفزع إليه، وعماده الذي يعتمد عليه، وأن يتخذ سنة مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مطلوبا يقصده [2] ، ومثالا يتبعه، وأن يراعي الإجماع، وأن يقتدي بالأئمة الراشدين، وأن يعمل اجتهاده فيما لا يوجد فيه كتاب ولا سنة ولا إجماع، وأن يحضر مجلس قضائه من يستظهر بعلمه ورأيه، وأن يسوي بين الخصمين إذا تقدما إليه في لحظه ولفظه، ويوفي كلا منهما نصيبه من إنصافه وعدله، حتى يأمن الضعيف من حيفه، وييأس القوي من ميله، وأمره أن يشرف على أعوانه وأصحابه ومن يعتمد عليه من أمنائه وأسبابه إشرافًا يمنع من التخطي إلى السيرة المحظورة [3] ، ويدفع [4] عن الإشفاف [5] إلى المكاسب المحظورة [6] ، فذكر من هذا الجنس كلاما طويلا.
وفي هذه السنة: تقلد أبو محمد عبد الواحد الفضل بن عبد الملك الهاشمي [7] نقابة العباسيين وصرف القاضي أبو تمام الزينبي منها [8] .
وفيها: ظهر ما كان المطيع يستره من مرضه، وتعذر الحركة عليه، وثقل لسانه لأجل فالج ناله قديما فدعاه سبكتكين حاجب معز الدولة إلى خلع نفسه، وتسليم الأمر إلى ولده [9] الطائع، ففعل ذلك، وعقد له الأمر في يوم الأربعاء لثلاث عشرة ليلة خلت من ذي القعدة سنة ثلاث وستين، فكانت خلافة المطيع إلى أن خلع نفسه، وسلّم الخلافة [1] إلى ولده تسعا وعشرين سنة وأربعة وعشرين يوما فكتب:
هذا ما أشهد على متضمنه أمير المؤمنين الفضل المطيع للَّه حين نظر لدينه ورعيته، وشغل بالعلة الدائمة عن ما كان يراعيه من الأمور الدينية اللازمة، وانقطع إفصاحه عن بعض ما يجب للَّه عز وجل في ذلك فرأي اعتزال ما كان إليه من هذا الأمر، وتسليمه إلى ناهض به، / قائم بحقه ممن [2] يرى له الرأي، عقده له وأشهد بذلك طوعًا في يوم الأربعاء الثالث عشر من ذي القعدة سنة ثلاث وستين وثلاثمائة، فكتب فيه القاضي محمد بن صالح:
شهد عندي بذلك أحمد بن حامد بن محمد بْن عُمَر [3] ، وعمر بن محمد بن أحمد، وطلحة بن محمد بن جعفر، وكتب محمد بن صالح.
وقد أنبأنا جماعة من أشياخنا عن أبي منصور بن عبد العزيز قال: كان المطيع بعد أن خلع يسمى: الشيخ الفاضل.





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید