المنشورات

الحارث بن أبي العلاء، سعيد بن حمدان، أبو فراس العدوي الشاعر

كان فيه شجاعة وكرم، وله شعر في نهاية الحسن وقلده/ سيف الدولة منبج [6] وحران، وأعمالها، فخرج يقاتل [7] الروم فتكى وقتل وأسر في الأسر سنتين ثم فداه سيف الدولة، وقيل أنه قتل بعد ذلك، [وما بلغ أربعين سنة] [8] ورثاه سيف الدولة.
أخبرنا ابن ناصر، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ [بْنِ] [9] الْبُسْرِيِّ، عَنْ أبي عبد الله بْن بطة قال: أنشدني الحسن [10] بن سعيد [11] المقدسي قال: أنشدني محمد بن شجاع الجيلي قال: أنشدني أبو فراس بن حمدان لنفسه:
المرء نصب مصائب لا تنقضي ... حتى يوارى جسمه في رمسه
فمؤجل [12] يلقى الردى في غيره [13] ... ومعجل يلقى الردى في نفسه
قال: وكان عند أبي فراس أعرابي فقال لَهُ [14] : أجز هذا بمثله، فقال:
من يتمن العمر فليدرع [15] ... صبرا على فقد أحبائه
ومن يعاجل ير في نفسه [16] ... ما يتمناه لأعدائه
أخذ هذا من قول الحكيم: من طال عمره فقد أحبابه، ومن قصرت حياته كانت مصيبته في نفسه.
ومن قول الآخر: من أحب طول البقاء، فليتخذ [1] للمصائب قلبًا جَلِدًا.
أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك، ومحمد بن ناصر قالا: أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار قال: أنشدنا القاضي أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ الْمُحْسِنِ التَّنُوخِيُّ قَالَ: أنشدنا أبو الفرج الببغاء قال: أنشدنا أبو فراس، وكتب بها إلى غلامين له وهو مأسور:
هل تحسان [2] لي رفيقا رفيقا ... يحفظ الود أو صديقا صديقا
لا رعى الله يا حبيبي دهرا ... فرقتنا صروفه تفريقا
كنت مولاكما وما كنت إلا ... والدًا محسنا وعمًّا شفيقا
بت أبكيكما وإن عجيبًا ... أن يبيت الأسير يبكي الطليقا
فاذكراني وكيف لا تذكراني ... كل ما استخون الصديق الصديقا
ومن شعره المستحسن قوله [3] :
ولي بك من فرط الصبابة آمر ... ودونك من حسن التصون زاجر/
عفافك عني [4] إنما عفة التقي ... إذا عف عن لذاته وهو قادر
نفى الهم عني همة عدوية ... وجاش على صرف الحوادث صابر
وأسمر مما ينبت الخط ذابل ... وأبيض مما يصنع الهند باتر
لعمرك ما الأبصار تنفع أهلها ... إذا لم يكن للمبصرين بصائر
وكيف ينال المجد والجسم وادع ... وكيف يحار [5] المجد والوفر وافر
وله
غنى النفس لمن يعقل ... خير من غني المال
وفضل الناس في الأنفس ... ليس الفضل في الحال
وله
ما كنت مذ كنت إلا طوع خلاني [1] ... ليست مؤاخذة الإخوان من شاني
إذا خليلِيَ لَمْ تكثر إساءته ... فأين موقع إحساني وغفراني
يَجْنِي الليالي وأستحلي جنايته ... حتى أدل على عفوي وإحساني
يجنى على وأحنو دائما أبدًا ... لا شيء أحسن من حانٍ على جان
وله
مرام الهوى صعب وسهل الهوى وعر ... وأعسر ما حاولته الحب والصبر
أوعدتي بالوعد [2] والموت دونه ... إذا مت عطشانا فلا نزل القطر
بدوت وأهلي حاضرون لأنني ... أرى [3] أن دارًا لست من أهلها قفرُ [4]
وما حاجتي في المال أبغي وفوره ... إذا لم يفر عرض [5] فلا وفر الوفر
هو الموت فاختر ما علا لك ذكره ... فلم يمت الإنسان ما حسن [6] الذكر
وقال أصيحابي الفرارُ أو الردى ... فقلت هما أمران أحلاهما مر
/ سيذكرني [7] قومى إذا جدَّ جدُّها ... وفي اللَّيْلَة [8] الظلماء يفتقد البدر
ولو سدَّ غيرى ما سددت اكتفوا به ... وما كان يغلو التبر لو نفق الصفرُ
ونحن أناس لا تَوَسُّطَ عندنا ... لنا الصَّدرُ دون العالمين أو القبر
تهون علينا في المعالى نفوسنا ... ومن خطب الحسناء لم يغلها مهر
وقال وقد سمع صوت حمامة وهو مأسور:
أقول وقد ناحت بقربي حمامة ... أيا جارتي ما فاق حالك حالي
معاذ الهوى ما ذُقْتِ طارقة الهوى ... ولا خطرت منك الهموم ببالي
أيحمل محزونَ الفؤاد قوادم ... إلى غُصُنٍ نائي المسافة عالي
تعالَيْ تَرَيْ روحًا لديَّ ضعيفةً ... تَرَدَّدُ فِي جسم يعذب بالي
أيضحك مأسور وتبكي طليقة ... ويسكت محزون ويندب سالي
لقد كنتُ أَوْلَى مِنْكِ بالدمع مُقْلَةً ... ولكنَّ دمعي في الحوادث غالي
وله أيضا
إن في الأسر لصبا ... دمعه في الخد صب
هو بالروم مقيم ... وله بالشام قلب
وله أيضا
لقد ضل من تحوي هواه خريدة ... وقد ذل من تقضي عليه كعاب
ولكنني والحمد للَّه حازم ... أعز إذا ذُلَّت لهن رقاب
ولا تملك الحسناء قلبيَ كُلَّهُ ... وإن شَمِلَتْهَا رقة وشباب
وأجري فلا أعطي الهوى فضل مِقْوَدِي ... وأهفو ولا يخفى عليَّ صواب
بمن يثق الإنسان فيما ينوبه ... وهيهات [1] للحر الكريم صحاب
وقد صار هذا الناس إلا أقلَّهم ... ذئابا على أجسادهن ثياب
تغابيت عن قومي فظنوا غباوة ... بمفرق أغبانا حصى وتراب
/ ولو عرفوني حق معرفتي بهم [2] ... إذًا علموا أني شهدت وغابوا
إلى الله أشكو بثنا في منازل ... تَحَكَّمَ في أجسادهن كلاب
فليتك تحلو والحياة مريرة ... وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر ... وبيني وبين العالمين خراب





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید