المنشورات

سبكتكين

حاجب معز الدولة، خلع عليه الطائع وطوقه وسوره، ولقَّبه نصر الدولة، فسقط سبكتكين عن الفرس [8] ، فانكسر ضلعه، فاستدعى ابن الصلت المجبر، فرد ضلعه ولازمه إلى أن برأ [9] فأغناه وأعطاه يوم أدخله الحمام ألف دينار وفرسا ومركبا وخلعه،وكان يقدر على الركوب والقيام في الصلاة والسجود، ولا يقدر على الركوع، وكان يقول لطبيبه: إذا تذكرت عافيتي على يدك فرحت بك، ولم اقدر على مكافأتك، وإذا ذكرت حصول رجليك على ظهري اشتد غيظي منك.
توفي يوم [1] الثلاثاء لسبع بقين من المحرم، وكانت مدة إمارته شهرين وثلاثة عشر يومًا، وحمل تابوته إلى بغداد، فدفن في تربة ابنته بالمخرم، وخلف ألف ألف دينار مطيعية، وعشرة آلاف ألف درهم، وصندوقين فيهما جوهر، وستين صندوقا/ منها خمسة وأربعون فيها آنية ذهب وفضة، وخمسة عشر فيها بلور ومحكم ومائة وثلاثين مركبًا ذهبًا، منها خمسون وزن كل واحد ألف مثقال، وستمائة مركب فضة، وأربعة آلاف ثوب ديباجًا، وعشرة آلاف ثوب دبيقيا وعتابيا، وغير ذلك، وثلاثمائة عدل معكومة [2] فيها فرش، وثلاثة آلاف رأس دابة وبغلا، وألف رأس من الجمال، وثلاثمائة غلام [دارية] [3] وأربعة [4] وأربعين خادما غير ما ترك عند أبي بكر البزاز صاحبه، وكان لسبكتكين هذا دار المملكة اليوم.
أَخْبَرَنَا [5] عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن علي بن ثابت قال: حدثني هلال بن المحسن قال: كانت دار المملكة التي بأعلى المخرم محاذية الفرضة لسبكتكين غلام معز الدولة، فنقض عضد الدولة أكثرها، ولم يستبق إلا البيت الستيني الذي هو في وسط أروقة من روائها أروقة من أطرافها أروقة [6] قباب معقودة، وتنفتح أبوابه الغربية إلى دجلة، وأبوابه الشرقية إلى صحن، من خلفه بستان ونخل وشجر، وكان عضد الدولة جعل الدار التي هذا البيت فيها دار العامة، والبيت برسم جلوس الوزراء، وما يتصل به من الأروقة، والقباب مواضع للدواوين [7] والصحن مناما لديلم النوبة، في ليالي الصيف، قال هلال: وهذه الدار وما تحتوي عليه من البيت المذكور والأروقة [1] خراب، ولقد شاهدت مجلس الوزراء في ذلك ومحفل مَنْ يقصدهم ويحضرهم، وقد جعله جلال الدولة اصطبلا أقام فيه دوابه وسواسه، وأما ما بناه عضد الدولة وولده بعده من هذه الدار فهو متماسك على تشعثه.
قال ابن ثابت: ولما ورد طغرل بك الغزي بغداد، واستولي عليها، عمَّر هذه الدار، وجدد كثيرا مما/ [كان] [2] وهي منها سنة ثمان وأربعين وأربعمائة، فمكثت كذلك إلى سنة خمسين وأربع مائة ثم احترقت، وسلمت [3] أكثر آلاتها، ثم عمرت بعد، وأعيد كما [4] كان وهي منها.
أخبرنا عبد الرحمن، أخبرنا أحمد بن علي قَالَ: حدثني [القاضي] [5] أبو القاسم علي بْن المحسن قال: سمعت أبي يقول: ماشيت [6] الملك عضد الدولة في دار المملكة بالمخرم التي كانت دار سبكتكين حاجب معز الدولة من قبل، وهو يتأمل ما عمل وهدم منها، وقد كان أراد أن يزيد في الميدان السبكتكيني أذرعا ليجعله بستانًا، ويرد بدل التراب رملًا، ويطرح التراب تحت الروشن على دجلة، وقد ابتاع دورًا كثيرة كبارًا وصغارًا، ونقضها ورمى حيطانها بالفيلة [7] تخفيفا للمئونة، وأضاف عرصاتها إلى الميدان، وكانت مثل الميدان دفعتين وبنى على الجميع مسناة، فقال لي في هذا اليوم، وقد شاهد ما شاهد: تدري أيها القاضي كم أنفق على ما قلع [8] من التراب إلى هذه الغاية، وبناء هذه المسناة السخيفة، مع ثمن ما ابتيع من الدور واستضيف؟ قلت: أظنه شيئا كثيرًا. فقال لي: هو إلى وقتنا هذا سبعمائة [9] ألف درهم صحاحا، ويحتاج إلى مثلها دفعة أو دفعتين حتى يتكامل قلع التراب، ويحصل موضعه الرمل، موازيا لوجه البستان، فلما فرغ من ذلك وصار البستان أرضا بيضاء لا شيء فيها من غرس ولا نبات، قال: قد أنفق على هذا حتى صار كذا أكثر من ألفي ألف درهم، ثم فكر في أن يجعل شرب البستان من دواليب ينصبها على دجلة، وعلم أن الدواليب لا تكفي، فأخرج المهندسين إلى الأنهار التي في ظاهر الجانب الشرقي من مدينة السلام، ليستخرجوا منها نهرًا يسيح ماؤه إلى داره، فلم يجدوا ما أرادوه إلا في نهر الخالص، فعلى الأرض بين البلد وبينه تعلية، أمكن معها/ أن يجري الماء على قدر من غير أن يحدث به ضرر، وعمل تلين عظيمين يساويان سطح ماء الخالص، ويرتفعان عن أرض الصحراء أذرعًا، وشق في وسطهما نهرًا [1] جعل له خورين من جانبيه، وداس الجميع بالفيلة دوسا كثيرًا حتى قوي واشتد وصلب وتلبد، فلما بلغ إلى منازل البلد وأراد سوق النهر إلى داره عمد إلى دور السلسلة، فدك أرضها دكًا قويًا، ورفع أبواب الدور، وأوثقها، وبنى جوانب النهر طول البلد بالآجر والكلس والنورة، حتى وصل الماء إلى الدار، وسقى البستان.
قال أبي: وبلغت النفقة على عمل البستان وسوق الماء إليه على ما سمعته من حواشي عضد الدولة: خمسة آلاف ألف درهم، ولعله قد أنفق على أبنية الدار ما أظن مثل ذلك، وكان عضد الدولة [2] عازمًا على أن يهدم الدور التي بين داره وبين الزاهر، ويصل الدار بالزاهر، فمات قبل ذلك.





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید