المنشورات

تميم بن المعز

قد ذكرنا أن المعز أول من ظهر من المغرب [2] [على ديار مصر] [3] وكان له أولاد منهم تميم [هذا] [4] وكان في تميم فضل، ووفاء، [5] وكرم، وفصاحة، وله شعر حسن.
أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك الأنماطي، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن أبي نصر الحميدي، قال: حدثني أبو محمد علي بن أبي عمر اليزيدي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الواحد الزبيري قال: حدثني أبو علي الحسن بن الأشكري المصري قال: كنت من جلاس [6] الأمير تميم بن المعز، وممن غلب عليه جدًا، فبعث [بي] [7] إلى بغداد فاشتريت له جارية رائعة من أفضل ما وجد في الحسن والغناء، فلما وصلت إليه أقام دعوة لجلسائه وأنا فيهم، ثم وضعت الستارة وأمرها بالغناء فغنت/:
وبدا له من بعد ما اندمل الهوى ... برق تألق موهنا لمعانه
يبدو كحاشية الرداء ودونه ... صعب الذرى متمنع أركانه
وفي غير هذه الرواية زيادة:
فبدا لينظر كيف لاح فلم يطق ... نظرًا إليه وصده سجانه
فالنار ما اشتملت عليه ضلوعه ... والماء ما سمحت به أجفانه
قال: أحسنتِ، وطرب تميم، وكل من حضر، ثم غنت.
سَيُسْلِيكَ عما فات أول مفضل ... أوائله محمودة وأواخِرُهْ
ثنى الله عطفيه وألف شخصه ... على البِرِّ مُذْ شدت عليه مآزره
فطرب الأمير تميم، ومن حضر طربا شديدًا، ثم غنت:
أستودع الله في بغداد لي قمرًا ... بالكرخ من فلك الأزرار مطلعه
فاشتد طرب تميم، وأفرط جدًا ثم قال لها: تَمَنَّيْ ما شئت فلك مناك. فقالت:
أتمنى عافية الأمير وبقاءه، فقال: وو الله لا بد لك أن تتمني. فقالت: علي الوفاء أيها الأمير بما أتمنى؟ فقال: نعم. فقالت: أتمنى أن أغني هذه النوبة ببغداد. فاستنقع لون تميم، وتغير لونه، وتكدر المجلس، وقام وقمنا كلنا.
قال ابن الأشكري فلحقني بعض خدمه وقال لي: ارجع، فالأمير يدعوك.
فرجعت فوجدته جالسًا ينتظرني، فسلمت وجلست بين يديه، فقال: [ويحك] [1] أرأيت ما امتحنا به. قلت: نعم أيها [2] الأمير. قال: لا بد من الوفاء لها وما أثق في هذا بغيرك، فتأهب لتحملها إلى بغداد، فإذا غنت هناك/ فاصرفها فقلت: سمعًا وطاعة، قال: ثم قمت وتأهبت، وأمرها [3] بالتأهب، وأصحبها جارية له سوداء تعاد لها وتخدمها، وأمر بناقة ومحمل فأدخلت فيه، وحملها معي، ثم سرت إلى مكة مع القافلة، فقضينا حجنا [4] ثم دخلنا في قافلة العراق، وسرنا فلما وردنا القادسية أتتني السوداء عنها فقالت: تقول لك سيدتي أين نحن، فقلت لها: نحن نزول بالقادسية. فانصرفت إليها فأخبرتها، فلم أنشب أن سمعت صوتها قد تدافع [5] بالغناء:
لما وردنا القادسية ... حيث مجتمع الرفاق
وشممت من أرض الحجاز ... نسيم أرواح العراق
أيقنت لي ولمن أحب ... بجمع شمل واتفاق
وضحكت من فرح اللقاء ... كما بكيت من الفراق
فتصايح الناس من أقطار القافلة: أعيذي باللَّه، أعيذي باللَّه. قال: فما سمع لها كلمة.
قال: ثم نزلنا بالياسرية، وبينها وبين بغداد قرب في بساتين متصلة، ينزلها الناس فيبيتون ليلتهم، ثم يبكرون لدخول بغداد فلما كان قريب [1] الصباح إذا بالسوداء قد أتتني [2] مذعورة فقلت: مالك؟ فقالت: إن سيدتي ليست حاضرة، فقلت: وأين هي؟
قالت: والله ما أدري. قال: فلم أحس لها أثرًا بعد، ودخلت بغداد وقضيت حوائجي منها، وانصرفت إليه، فأخبرته الخبر، فعظم ذلك عليه، واغتم له، ثم ما زال بعد ذلك ذاكرا لها واجمًا عليها.





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید