المنشورات

إسماعيل بن عباد، أبو القاسم ويلقب كافي الكفاة الصاحب

وزر لمؤيد الدولة وقصده أبو الفتح ابن ذي الكفايتين، فأزاله عن الوزارة، ثم نصر عليه وعاد إلى الوزارة.
أنبأنا محمد بن عبد الباقي البزاز، أَنْبَأَنَا عَلِي بْن المحسن التنوخي، عَنْ أَبِيهِ قال حدثني أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن سعيد النصيبي قال: كان أبو الفتح ابن الملقب بذي الكفايتين قد تداخله في بعض العشايا سرور، فاستدعى ندماءه وعبى لهم مجلسا عظيما بآلات الذهب والفضة، وفاخر الزجاج والصيني، والآلات الحسنة والطيب، والفاكهة الكثيرة، وأحضر المطرب وشرب بقية يومه، وعامة ليلته ثم عمل شعرا انشده ندماءه وغنى به في الحال وهو.
دعوت المنا ودعوت الطلا ... فلما أجابا دعوت القدح
وقلت لأيام شرخ الشباب ... إلي فهذا أوان الفرح
إذا بلغ المرء آماله ... فليس له بعدها مقترح
قال: وكان هذا بعد تدبيره على الصاحب أبي القاسم بن عباد، حتى ابعده عن كتبه صاحبة الأمير مؤيد الدولة وسيره عن حضرته بالري إلى أصفهان، وانفرد هو بتدبير الأمور لمؤيد الدولة كما كان لركن الدولة، فلما كان غنى الشعر [استطابه] وشرب عليه إلى أن سكر، ثم قال لغلمانه غطوا المجلس ولا تسقطوا شيئا منه لاصطبح في هَذِهِ الليلة وقال: لندمائه باكروني ولا تتأخروا، فقد اشتهيت الصبوح، وقام إلى بيت منامه، وانصرف الندماء فدعاه مؤيد الدولة في السحر، [فلم يشك أنه لمهم] فقبض عليه، وأنفذ إلى داره من أخذ جميع ما فيها، وتطاولت به النكبة حتى مات فيها ثم عاد ابن عباد إلى وزارة مؤيد الدولة، ثم وزر لأخيه فخر الدولة فبقي في الوزارة ثماني عشرة سنة وشهورا وفتح خمسين قلعة، سلمها إلى فخر الدولة لم يجتمع مثلها إلى أبيه وكان الصاحب عالما بفنون من العلوم كثيرة لم يقاربه في ذلك الوزير وله التصانيف الحسان، والنثر البالغ، وجمع كتبا عظيمة حتى كان يحتاج في نقلها على أربعمائة حمل، وكان يخالط العلماء، والأدباء ويقول لهم، نحن بالنهار سلطان وبالليل إخوان، وسمع الحديث وأملى، وروى أبو الحسن علي بن محمد الطبري المعروف بكيا قال: سمعت أبا الفضل زيد بن صالح الحنفي يقول: لما عزم الصاحب [إسماعيل بن عباد] على الإملاء وكان حينئذ في الوزارة، وخرج يوما متطلسا متحنكا بزي أهل العلم فقال، قد علمتم قدمي في العلم فأقروا له بذلك، فقال، وأنا متلبس بهذا الأمر وجميع ما انفقته من صغري إلى وقتي هذا من مال أبي وجدي ومع هذا فلا أخلو من تبعات اشهدوا عَلِيّ وأشهد الله وأشهدكم أني تائب الى الله تعالى من كل ذنب أذنبته، واتخذ لنفسه بيتا وسماه بيت التوبة، ولبث أسبوعا على ذلك ثم أخذ خطوط الفقهاء بصحة توبته، ثم خرج فقعد للإملاء وحضر الخلق الكثير وكان المستملي الواحد ينضاف إليه ستة كل يبلغ صاحبه، فكتب الناس حتى القاضي عبد الجبار وكان الصاحب ينفذ كل سنة إلى بغداد خمسة آلاف دينار تفرق في الفقهاء وأهل الأدب وكان لا تأخذه في الله لومة لائم، ويبغض من يميل إلى الفلسفة وأهدى إليه العميري القاضي [بقزوين] كتبا وكتب معها.
العميري عبد كافي الكافة ... وان اعتد في وجوه القضاة
خدم المجلس الرفيع بكتب ... مفعمات من حسنها مترعات
فوقع تحتها.
قد قبلنا من الجميع كتابا ... ورددنا لوقتنا الباقيات
لست استغنم الكثير فطبعي ... قول خذ ليس مذهبي قول هات
فاستدعى يوما شرابا فجيء بقدح، فلما أراد أن يشرب قال له بعض خواصه: لا تشربه فإنه مسموم فقال: وما الشاهد على صحة قولك؟ قال: أن تجربه على من اعطاك إياه قال لا استحل ذلك، قال فجربه على دجاجة قال: إن التمثيل بالحيوان لا يجوز، فرد القدح وأمر بصب ما فيه وقال للغلام: لا تدخل داري وأمر بإفراد جراية عليه، ومرض بالأهواز عن سجع عرض له فكان إذا قام عن الطست يترك إلى جانبه عشرة دنانير حتى لا يتبرم به الفراشون، فكانوا يتمنون دوام علته فلما برأ أنهب الفقراء ما حوت داره، فكان هذا يخرج بدواج، وهذا بمركب وهذا بتور الشمع، فأخذ من داره ما يقارب خمسين ألف دينار فلما مرض الموت كان أمراء الديلم ووجوه الحواشي معًا ودون بابه ويقبلون الأرض، وينصرفون وجاءه فخر الدولة دفعات، فلما يئس من نفسه قال، لفخر الدولة: قد خدمتك الخدمة التي استفرغت فيها الوسع وسرت في دولتك السيرة التي حصلت لك حسن الذكر بها، فإن أجريت الأمور بعدي على رسومها علم أن ذلك منك ونسب الجميل فيه إليك واستمرت الإحدوثة الطيبة بذلك ونسيت أنا في أثناء ما يثني به عليك، وإن غيرت ذلك وعدلت عنه كنت المذكور بما تقدم والمشكور عليه وقدح في دولتك وذكرك ما يسع إيقاعك فأظهر له قبول رأيه، توفي في مساء الجمعة لست بقين من صفر هذه السنة، وكان الصاحب أفضل وزراء الدولة الديلمية وجميع ملكهم كان مائة وعشرين سنة وزر لهم فيها جماعة فيهم معان حسنة ولكن لم يكن من يذكر عنه العلم كما يذكر عن الصاحب.





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید