المنشورات

[مُحَمَّد] بْن أَحْمَد بن إسماعيل بن عنبس بن إسماعيل أبو الحسين الواعظ، المعروف بابن سمعون

ولد سنة ثلاثمائة، وروى عن عبد الله بن أبي داود السجستاني، ومحمد بن مخلد الدوري [4] ، وخلق كثير. وأملى الحديث، وكان يعظ الناس، ويقال له: الناطق بالحكمة، وله كلام حسن وتدقيق في باب المعاملات، وكانت له فراسة وكرامات.
فحكى أن الرصاص الزاهد كان يقبل رجل ابن سمعون دائما فلا يمنعه، فقيل له في ذلك، فقال: كان في دارى صبية خرج في رجلها الشوكة، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النوم، فقال لي: قل لابن سمعون يضع رجله عليها، فإنها تبرأ. فلما كان من الغد بكرت إليه فرأيته [5] قد لبس ثيابه، فسلمت عليه، فقال: بسم الله. فقلت: لعل له حاجة أمضى معه وأعرض عليه في الطريق حاجتي في حديث الصبية [6] ، فجاء إلى داري فقال: بسم الله، فدخلت وأخرجت الصبية إليه وقد طرحت عليها شيئا [1] ، فترك رجله عليها [2] ، وأنصرف وقامت الجارية معافاة [3] فأنا أقبل رجله أبدا.
أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ [4] ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ، قَالَ: حَدَّثَنِي رَئِيسُ الرُّؤَسَاءِ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْن الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو طَاهِرٍ [مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ] الْعَلافِ [5] ، قَالَ: حَضَرْتُ أَبَا الْحُسَيْنِ بْنَ سَمْعُونٍ يَوْمًا فِي مَجْلِسِ الْوَعْظِ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيِّهِ يَتَكَلَّمُ، وكان أبو الفتح القواس جالسا الى جانب الْكُرْسِيِّ فَغَشِيَهُ النُّعَاسُ وَنَامَ، فَأَمْسَكَ أَبُو الْحُسَيْنِ عَنِ الْكَلامِ سَاعَةً حَتَّى اسْتَيْقَظَ أَبُو الْفَتْحِ وَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ:
رَأَيْتَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في نَوْمِكَ؟ [6] قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ [7] لِذَلِكَ أَمْسَكْتُ عَنِ الْكَلامِ خَوْفًا أَنْ تَنْزَعِجَ وَتَنْقَطِعَ مَا كُنْتَ فِيهِ.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي رَئِيسُ الرُّؤَسَاءِ قَالَ: حَكَى لِي أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي مُوسَى الْهَاشِمِيُّ [8] ، قَالَ: حَكَى دَجِيٌّ مَوْلَى الطَّائِعِ للَّه، قَالَ: أَمَرَنِي الطَّائِعُ أَنْ أُوَجِّهَ إِلَى ابْنِ سَمْعُونٍ فَأُحْضِرَهُ/ دَارَ الْخِلافَةِ، وَرَأَيْتُ الطَّائِعَ عَلَى صِفَةٍ مِنَ الْغَضَبِ، وَكَانَ ذَا حِدَّةٍ، فَبَعَثْتُ إِلَى ابْنِ سَمْعُونٍ وَأَنَا مَشْغُولُ الْقَلْبِ لأَجْلِهِ، فَلَمَّا حَضَرَ أَعْلَمْتُ الطَّائِعَ حُضُورَهُ فَجَلَسَ مَجْلِسَهُ وَأَذِنَ لَهُ فِي الدُّخُولِ فَدَخَلَ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ بِالْخِلافَةِ، ثُمَّ أَخَذَ فِي وَعْظِهِ، فَأَوَّلُ مَا ابَتَدَأَ بِهِ أَنْ قَالَ: رُوِيَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَذكر خَبَرًا وَأَحَادِيثَ بَعْدَهُ، ثُمَّ قَالَ: رُوِيَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، وَذكر عَنْهُ خَبَرًا وَلَمْ يَزَلْ يَجْرِي فِي مَيْدَانِ الْوَعْظِ [9] حتى بكى الطائع للَّه وسمع [10] .
شَهِيقَهُ، وَابْتَلَّ مِنْدِيلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ بِدُمُوعِهِ وَأَمْسَكَ ابْنُ سَمْعُونٍ حِينَئِذٍ وَدَفَعَ إِلَى الطَّائِعِ دَرَجًا فِيهِ طِيبٌ وَغَيْرُهُ، فَدَفَعْتُهُ إِلَيْهِ وَانْصَرَفَ وَعُدْتُ إِلَى حَضْرَةِ الطَّائِعِ، فَقُلْتُ: يَا مَوْلايَ رَأَيْتُكَ عَلَى صِفَةٍ شَدِيدَةٍ مِنَ الْغَضَبِ عَلَى ابْنِ سَمْعُونٍ ثُمَّ انْتَقَلْتَ عَنْ تِلْكَ الصِّفَةِ عِنْدَ حُضُورِهِ، فَمَا السَّبَبُ؟ فَقَالَ: رُفِعَ إِلَيَّ عَنْهُ أَنَّهُ يَتَنَقَّصُ بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَيَقَّنَ عِنْدَ حُضُورِهِ [1] لأُقَابِلَهُ عَلَيْهِ إِنْ صَحَّ مِنْهُ، فَلَمَّا حَضَرَ بَيْنَ يَدَيَّ افْتَتَحَ كَلامَهُ بِذكر عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَالصَّلاةِ عَلَيْهِ، وَأَعَادَ وَأَبْدَأَ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ كَانَ لَهُ مَنْدُوحَةٌ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ غَيْرِهِ، وَتَرَكَ الابتداء به، فعلمت لما وَقْفٌ لِمَا تَزُولُ بِهِ عَنْهُ الظَّنَّةُ وَتَبْرَأُ سَاحَتُهُ عِنْدِي، وَلَعَلَّهُ كُوشِفَ بِذَلِكَ، أَوْ كَمَا قَالَ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا لابْنِ سَمْعُونٍ قِصَّةً مَعَ عَضُدِ الدَّوْلَةِ قَدْ سَبَقَتْ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْمَعْمَرِ الأَنْصَارِيُّ، [أَخْبَرَنَا] [2] مَحْفُوظُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: قَالَ لَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ غَالِبٍ [3] الْحَرْبِيُّ سَمِعْتُ أَبَا سَعْدٍ أَحْمَدَ بْنَ الْمُنَازِلِ الْبَزَّازَ، يَقُولُ:
سَمِعْتُ عَمِّي مُحَمَّدَ بْنَ أَحْمَدَ يَقُولُ: رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَامِعِ الْخَلِيفَةِ وَإِلَى جَانِبِه رَجُلٌ [4] مُتَكَهِّلٌ، فَسَأَلْتُ عَنْهُ، فَقِيلَ: هُوَ عِيسَى ابن مَرْيَمَ، وَهُوَ يَقُولُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَيْسَ مِنْ أُمَّتِيَ الأَحْبَارُ، أَلَيْسَ مِنْ أُمَّتِيَ الرُّهْبَانُ، أَلَيْسَ مِنْ أُمَّتِيَ أَصْحَابُ الصَّوَامِعِ؟ فَدَخَلَ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ سَمْعُونٍ/ الْوَاعِظُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِي أُمَّتِكَ مِثْلُ هَذَا؟ فَسَكَتَ وَانْتَبَهْتُ.
وحكى ابن الهمذاني أن ابن سمعون ذكر على كرسيه في ليلة النصف من شعبان الحلواء [5] ، وكانت مزنة جارية أبي سعيد الصائغ حاضرة، وهو تاجر مشهور بكثرة المال ومنزله بدرب رياح، فلما أمسى أتاه غلام ومعه خمسمائة خشكنانكة، فكسر واحدة فوجد فيها دينارا فكسر الجميع وأخرج الدنانير وحملها بنفسه إلى أبي سعيد الصائغ، وقال: قد جئتك في سبب وأريد أن يكون جوابك قبول قولي، وأن لا تنكر على أهل الدار، وأخبره بالدنانير، فقال له أبو سعيد: أعيذك باللَّه أن يحضر مجلسك من فيه ريبة، والله ما تركت المرأة الدنانير إلا بحضرتي وتساعدنا جميعا على هذا الفعل [1] .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ محمد العتيقي، قال: سنة سبع وثمانين وثلاثمائة توفي فيها أبو الحسين ابن سمعون يوم النصف من ذي القعدة وكان ثقة مأمونا.
قال ابن ثابت وذكر لي غير العتيقي أنه توفي يوم الخميس الرابع عشر [2] من ذي القعدة، ودفن بداره بشارع العتابيين، فلم يزل [3] هناك مدفونا حتى نقل يوم الخميس الحادي عشر من رجب سنة ست وعشرين وأربعمائة، فدفن بباب حرب.
قال المصنف: صلي على ابن سمعون في جامع المنصور، ثم دفن في داره سنين، ثم أخرج إلى مقبرة أحمد وأكفانه لم تبل.





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید