المنشورات

تقليد القاضي أبي عبد الله الحسين بن هارون مدينة المنصور مضافة إلى الكرخ والكوفة

ومن الحوادث أنه [2] : في يوم الخميس لسبع بقين من شوال قلد القاضي أبو عَبْد اللَّهِ الحسين بن هارون [الضبي] [3] مدينة المنصور مضافة إلى الكرخ والكوفة، وشقي الفرات، وقلد الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الأكفاني [4] الرصافة، وأعمالها عوضا عن المدينة التي كان يليها، وقلد القضاء أبو الحسن الخزري الواسطي [5] طريقي دجلة وخراسان مضافا إلى عمله بالحضرة، وقرئت عهودهم على ذلك وولي أبو خازم [6] محمد بن الحسن الواسطي القضاء بواسط وأعمالها، وقرئ عهده بالموكب بدار الخلافة وكتب الإمام القادر باللَّه لمحمد بن عبد الله بن الحسن وقد ولاه [بلاد جيلان] [7] كتابا اختصرته وفيه:
«بسم الله الرحمن الرحيم- من عبد الله أحمد الإمام القادر باللَّه أمير المؤمنين إِلَى مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بن الحسن حين بلا حقائق أخباره استشف مواقع [1] آثاره، وأنهى إلى أمير المؤمنين رسوخه في العلم وسمته بالفهم، فاستخار الله عز وجل فيما يعتمده عليه، وسأله التسديد فيما يفوضه إليه، فقلده الصلاة، والخطابة على المنابر والقضاء والحكم ببلاد جيلان أسودها وأبيضها، وما توفيق أمير المؤمنين إلا باللَّه، عليه توكله وإليه في كل حال موئله، وحسب أمير المؤمنين الله ونعم الوكيل أمره بخشية الله، فإنها مزية العلماء ومراقبته/ فانها خاصة الأدباء، وتقواه ما استطاع، فإنها سكة من أطاع وجنة من تجاذبه الأطماع، وأن يأخذ لأمر الله أهبته ويعد له عدته، ولا يترخص فيه فيفرط، ولا يضيع وظيفة من وظائفه فيتورط، وأن يستعمل نفسه في المهل، ويؤذنها بقرب الأجل ولا يغرها أنه منتظر، وإن عصى فيغفر، فقد قال الله تعالى: حم تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ 40: 1- 3 [2] .
وأمره بقراءة القرآن وتلاوته والمحافظة عليه ودراسته، وأمره بمداومة الطهر فإنه أمان من الفقر ولا يقنع به في الجوارح، أو أن يكون مثله فيما بين الجوائح. فإن النقاء هناك هو النقاء الذي يتم به البهاء، وحينئذ تكمل الطهارة، وتزول الأدران، وأمره بمراقبة مواقيت الصلاة للجمع، فإذا حانت سعى إليها، وإذا وجبت جمع عليها بالأذان الذي يسمع به مؤذنوه الملأ، والإقامة الذي يقوم به فرض الله عز وجل، وأمره بالإحسان [في الموعظة] [3] مستقصيا للمناصحة، وأمره بالنداء على المنابر، وفى سائر المحافل والمعاقل بالشعار الأعلى والفرض الأوفى من ذكر دولة أمير المؤمنين، وحث الأمة على طاعته أجمعين، قال الله عز وجل: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ 4: 59 [4] .
وأن يديم التصفح لأحوال البلاد التي ولي فيها ما وليه من قواعد الشريعة، وليقابل نعمة الله بشكر الصنيعة، فإن وجد فيها نافرا عن فريضة الدعوة الشريفة القادرية اجتذبه [1] إليها بالموعظة الحسنة والدلالة الصريحة، فإن استبصر لرشده وراجع المفروض بجهده فقد فاز وغنم، وإن تشاوس وعند استنفر عليه الأمم وقمعه بما يوجبه الحكم.
وأمره بصلوات الأعياد والخسوف والاستسقاء، وأمره أن يكون لأمر الله متأهبا، ولنزول الموت مترقبا ولطروقه/ متوقعا، وأمره أن لا يخلي من فوضه إليه من ظهير يستنيبه وأمره أن يتبع شرائع الإسلام، وأن يواصل تلاوة القرآن ويستنبط منه ويهتدي به فإنه جلاء للبصائر، ومنار الحكم، ولسان البلاغة، وأمره أن يخلى ذهنة إذا انتدب للنظر، ويقضي أمامه كل وطر، ويأخذ لجوارحه بحظ يعينها [2] فإن القلب إذا اكتنفته المآرب يعرض له التعب، وأمره بالجلوس للخصوم في مساجد الجوامع ليتساووا في لقائه، وأن يقسم لحظه ولفظه بين جمهورهم.
وأمرهم بالنظر في الأمور بالعدل، وأمره بانتخاب الشهود والفحص عن أحوالهم، وأمره بالتناهي في تفقد الأيتام، فإنهم أسراء الإسلام، وأمره بتعهد الوقوف وإجراء أحوالها على ما يوجبه التوقيف من أربابها.
هذا عهد أمير المؤمنين إليك وحجته المنعم بها عليك، وتذكرته المستودعة فوائد توفيقه فانصب لمحاورته واصغ لمخاطبته، وأغرس مواعظه في قلبك تجن من ثمرها الفوز عند ربك» .
وكتب على بن عبد العزيز بن إبراهيم في شهر ربيع الأول سنة تسعين وثلاثمائة





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید