المنشورات

تقليد الشريف أبي أحمد قضاء القضاة

أن الشريف أبا أحمد الحسين بن موسى قلده بهاء الدولة قضاء القضاة والحج والمظالم ونقابة الطالبيين، وكان التقليد له بشيراز، وكتب له منها عهد على جميع ذلك، ولقب بالطاهر الأوحد ذي المناقب، فلم ينظر في قضاء القضاة لامتناع القادر باللَّه من الإذن له، وترددت في هذا أقوال انتهت إلى الوقوف.
وفى هذه السنة حج بالناس أبو الحارث محمد بن محمد بن عمر العلوي، وكان في جملة الحاج أبو الحسين بن الرفاء، وأبو عبد الله بن الزجاجي وكانا من أحسن الناس قراءة فاعترض [2] الحاج الأصيفر المنتفقي، وحاصرهم بالباطنة، وعول على نهبهم، فقالوا: من يمضى إليه ويقرر معه شيئا نعطيه؟ فندبوا أبا الحسين [بن] [3] الرفاء، وأبا عبد الله الزجاجي [4] فدخلا إليه وقرءا بين يديه، فقال [لهما] [5] : كيف عيشكما ببغداد؟
فقالا: نعم العيش، يصلنا من أهلنا الخلع والصلات والهدايا، فقال: هل وهبوا لكما ألف ألف دينار في صرة؟ فقالا: لا ولا ألف دينار في موضع، فقال [لهما] [6] : قد وهبت لكما الحاج وأموالهم ذلك يزيد على ألف ألف دينار، فشكروه وانصرفوا [من عنده] [1] ووفى للحاج بذلك وحجوا ولما قرءا بعرفات على جبل الرحمة، قال أهل مكة وأهل مصر والشام: ما سمعنا عنكم يا أهل بغداد تبذيرا مثل هذا يكون عندكم مثل هذين الشخصين فتستصحبوا بهما معا، فإن هلكا فبأي شيء تتجملون، كان ينبغي أن تستصحبوا كل سنة واحدا/ ولما حجوا عول الأمير على ترك زيارة المدينة، واعتذر بقعود الأعراب في طريقه وما يلزمه من الخفارات عند تعويقه، فتقدما الحاج ووقفا عند الجبل [2] الذي عند يسار الراجع من مكة، ويرى من بعيد كأنه عنق طائر ومنه يعدل القاصد من مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم ويسير في سبخة من ورائها صفينة فقرءا مَا كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمن حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ 9: 120 [3] فعند ذلك ضج الناس بالبكاء ولوت الجمال أعناقها نحوهما، وقصد بهم الأمير المدينة، ولما ورد أبو الحسين بن بويه، بغداد أخد هذين القارئين ومعهما أبو عبد الله بن البهلول، وكان قارئا محسنا فرتبهم لصلاة التراويح به وهم أحداث، وكانوا يتناوبون الصلاة ويأتم بهم ورغب لأجلهم في صلاة التراويح.
وكان أبو الحسين بن الرفاء تلميذ أبي الحسن [4] بن الخشاب، وكان ابن الخشاب مليح الصوت حسن التلاوة وإنه [قرأ] [5] في جامع الرصافة في بعض الليالي الأحياء أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الله 57: 16 [6] فتواجد صوفي، وقال: بلى قد أن، ثم جلس وبكى طويلا ثم سكت سكتة طالت [7] فحرك فإذا به ميت، وكان ابن الخشاب تلميذ أبي بكر بن الآدمي، الموصوف بطيب التلاوة.
وجرى مثل هذا لأبى عبد الله ابن البهلول، قال: فأنبأنا أحمد بن علي ابن المحاملي، قال: سمعت أبا الحسين محمد بن علي ابن المهتدي، يقول: قرأ أبو عبد الله ابن البهلول يوما في دار القطان في الجامع بعد الصلاة يوم الجمعة أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا/ أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الله 57: 16 [1] ، فقام رجل من أهل عكبرا فقال له: كيف قرأت يا أبا عبد الله؟ فردد عليه، فقال الرجل: بلى والله فسقط ميتا.






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید