المنشورات

بدر بن حسنويه بن الحسين، أبو النجم الكردي

من أهل الجبل رتبه عضد الدولة أبو شجاع بعد موت حسنويه، فكانت له الولاية على الجبل وهمذان والدينور وبروجرد ونهاوند وأسداباذ وغير ذلك، وقامت هيبته بالشجاعة والسياسة والعدل وكثرة الصدقة وكناه القادر أبا النجم [7] ، ولقبه ناصر الدولة، وعقد له لواء وأنفذه إليه، وكانت أعماله آمنة، فإذا وقف حمل في البرية تركه صاحبه ومضى فجاء بما يحمله عليه، ولما عاث قومه في البلاد عمل لهم دعوة، وقدم فيها أنواع الطبائخ، ولم يقدم خبزا فجلسوا ينتظرون الخبز، كلوا، قالوا، أين الخبز؟ قال فإذا كنتم تعلمون أنه لا بد لكم منه فلم أفسدتم الحرث، لئن يعترض أحدكم بصاحب زرع لأقابلنه بسفك دمه.
واجتاز يوما برجل محتطب وقد حمل الحطب [1] على ظهره وهو يبكى، فقال له:
ما لك؟ قال: إني ما استطعمت البارحة طعاما، وكان معي رغيفان أريد أن أتغذى بهما وأبيع الحطب، وأتقوت بثمنه أنا وعيالي، فاجتازني أحد الفرسان فأخذ الرغيفين، فقال: هل تعرفه؟ قال: بوجهه، فجاء به إلى مضيق فوقف معه/ حتى اجتاز العسكر فمر صاحبه فقال: هذا، فأمر بدر أن ينزل عن فرسه وألزمه حمل الحطب على ظهره في البلد وبيعه وتسليم ثمنه إلى صاحبه جزاء لما فعل [2] ، فرام الرجل أن يفتدى نفسه بمال حتى بلغ بوزن الحطب دراهم، فلم يقبل منه حتى فعل ما أمره به، فقامت الهيبة في النفوس ولم يقدم بعدها أحد من أصحابه على شيء، وكانت جراياته وصدقاته متصلة على الفقهاء والأشراف والقضاة والشهود والأيتام والضعفاء، وكان يصرف كل سنة ألف دينار إلى عشرين رجلا يحجون عن والدته، وعن عضد الدولة لأنه كان السبب في ملكه، وكان يتصدق في كل جمعة بعشرة آلاف درهم على الضعفاء والأرامل ويصرف [في] [3] كل سنة ثلاثة آلاف دينار إلى الأساكفة والحذائين بين همذان وبغداد ليقيموا للمنقطعين من الحاج الأحذية، وكان يصرف إلى تكفين الموتى كل شهر عشرين ألف درهم، ويعمر القناطر، واستحدث في أعماله ثلاثة آلاف مسجد وخان للغرباء، ولم يمر بماء جار إلا بنى عنده قرية، وكان ينفذ كل سنة في الصدقات على أهل الحرمين وخفر الطريق ومصالحها مائة ألف دينار، وكان ينفق على عمارة المصانع وتنقية الآبار، وجمع العلوفة في الطريق، وكان يعطى سكان المنازل رسوما لقيامها ويحمل إلى الحرمين والكوفة وبغداد ما يفرق على الأشراف والفقهاء والقراء والفقراء وأهل البيوتات، فلما توفي انقطع ذلك وأثر في أحوال أهله ووقف أمر الحج، وكان يكثر من الصلاة والتسبيح ولا يقطع بره عن أحد لذنب، فإن مات أعاد ذلك على ولده، وكان يرتفع إلى خزانته في كل سنة بعد المؤن [والصدقات] [1] عشرون ألف درهم لأنه كان يعمر الأماكن [ويعدل] [2] وكان له من الدواب المرتبطة ألف وسبعمائة، / وفى الجشير عشرون ألف رأس، وكان بدر قد حاصر حسن بن مسعود الكردي فضجر أصحابه من طول الحصار فجاءه رجل كردي، فقال له: إنهم قد عزموا [3] على قتلك، فقال: من هؤلاء الكلاب حتى يقدموا على ذلك؟ فعاوده فقال: لا أريد نصحك، فهجموا عليه فقتلوه ونهبوا معسكره.
توفي في هذه السنة، وكانت مدة إمارته اثنتين وثلاثين سنة، وحمل إلى مشهد أمير المؤمنين على عليه السلام فدفن به، ووجد في قلعته أربعة عشر ألف بدرة عينا، وأربعين ألف بدرة ورقا.






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید