المنشورات

مُحَمَّد بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو الحسن العلوي

ولد سنة تسع وخمسين وثلاثمائة، ولقبه بهاء الدولة بالرضى ذي الحسبين، ولقب أخاه بالمرتضى ذي المجدين، وكان الرضى نقيب الطالبيين ببغداد، حفظ القرآن في مدة يسيرة بعد أن جاوز ثلاثين سنة، وعرف/ من الفقه والفرائض طرفا قويا، وكان عالما فاضلا وشاعرا مترسلا عفيفا عالي الهمة متدينا، اشترى في بعض الأيام جزازا من امرأة بخمسة دراهم فوجد فيه جزءا بخط أبي عبد الله [6] بن مقلة، فقال للدلال: احضر المرأة، فأحضرها، فقال: قد وجدت في الجزاز جزءا بخط ابن مقلة، فإن أردت الجزء فخذيه وإن أردت ثمنه [7] ، فهذه خمسة دراهم [8] ، فأخذتها ودعت له وانصرفت وكان سخيا جوادا.
أخبرنا إسماعيل بن أحمد عن أبي غالب بن بشران، قال: حدثني الخالع، قال:
مدحت الرضى بقصيدة فجاءني غلامه بتسعة وأربعين درهما، فقلت: لا شك أن الغلام [قد] [1] خانني، فلما كان بعد أيام اجتزت بسوق العروس فرأيت رجلا [2] يقول لآخر:
أتشتري هذا الصحن فإنه يساوي خمسة دنانير، ولقد أخرج من دار الشريف الرضى [3] . فبيع بتسعة وأربعين درهما، فعلمت أنى مدحته وهو مضيق، فباع الصحن وأنفذ الثمن إلى، وكان شعر الرضى غاية في الحسن.
أخبرنا القزاز، أخبرنا الخطيب، قال: سمعت أبا عبد الله محمد بن عبد الله الكاتب بحضرة أبي الحسين بن محفوظ، وكان أحد الرؤساء، يقول: سمعت جماعة من أهل العلم بالأدب يقولون: أن الرضى أشعر قريش، فقال ابن محفوظ: هذا صحيح، وقد كان في قريش من يجيد القول إلا أن شعره قليل، فأما مجيد مكثر فليس إلا الرضى.
أخبرنا القزاز، أَخْبَرَنَا أبو بكر الخطيب، قَالَ: أنشدني القاضي أبو العلاء الواسطي، قال: أنشدنا الشريف الرضى [4] لنفسه:
/ اشتر العز بما شئت ... فما العز بغالي
بالقصار الصفر إن شئت ... أو السمر الطوال
ليس بالمغبون عقلا ... من شرى عزا بمال
إنما يدخر المال ... لحاجات الرجال
والغني من جعل الأموال ... [5] أثمان المعالي
[وله:
في الناس غير مطهر [6] ... والحر معدوم النظير
والغسل يخبث بعضه ... ما كل ماء للطهور
لك دون أعراض الرجال ... حمية الرجل الغيور
ولماء كفك في المحول ... طلاقة العام المطير
آثار شكرك في فمي ... وسليم ودك [1] في ضميري]
وله:
إلا أتى حسرة الحاسدين ... وما حسرة العجم إلا العرب
فلا لبسوا غير هذا الشعار ... ولا رزقوا غير هذا اللقب
[وله: [2]
ذنبي إلى البهم الكوادن أنني ... الطرف المطهم والأغر الأقرح
يولينني خزر العيون لأنني ... غلست في طلب العلا وتصبحوا
وجذبت بالطول الذي لم يجذبوا ... ومنحت بالغرب الذي لم يمنحوا
لو لم يكن لي في العيون مهابة ... لم تطعن الأعداء في ويقدحوا
نظروا بعين عداوة لو أنها ... عين الهوى لاستحسنوا ما استقبحوا] [3]
وله:
يا طائر البان غريدا على فنن ... ما هاج نوحك لي يا طائر البان
هل أنت مبلغ من هام الفؤاد به ... أن الطليق يؤدي حاجة العاني
ضمانة ما جناها غير مقلته ... يوم الوداع وأشواقي إلى الجاني
لولا تذكر أيامي [4] بذي سلم ... وعند رامة أوطاري وأوطاني
لما قدحت بنار الوجد في كبدي ... ولا بللت بماء الدمع أجفاني
وأشعاره كثيرة مستحسنة، وإنما ذكرت منها هذا. وجرت للرضى قصة مع القادر باللَّه في أبيات رفع إليه أنه قالها وهي [هذه] [5] :
كم مقامي على الهون وعندي ... مقول قاطع وأنف حمي
وإباء محلق بي عن الضيم ... كما راع طائر وحشي
أي عذر له إلى المجد إن ذل ... غلام في غمده المشرفي
البس الذل في ديار الأعادي ... وبمصر الخليفة العلوي
من أبوه أبي ومولاه مولاي ... إذا ضامني البعيد القصي
لف عرقي بعرقه سيد الناس ... جميعا محمد وعلي
إن خوفي في ذلك الربع أمن ... وأوامي بذلك الورد ري
قد يذل العزيز ما لم يشمر ... لانطلاق وقد يضام الأبي
كالذي يقبس الظلام وقد أقمر ... من خلفه الهلال المضي
ولما كتب أصحاب الأخبار بهذه إلى القادر، غاظه أمرها، واستدعى القاضي أبا بكر محمد بن الطيب، وأنفذه إلى الشريف الطاهر أبي أحمد برسالة في هذا المعني، فقال القاضي أبو بكر في الرسالة: «قد علمت موضعك منا ومنزلتك عندنا وما لا نزال من الاعتداد بك، والثقة بصدق الموالاة منك، وما تقدم لك في الدولة العباسية من خدم سابقة ومواقف محمودة، وليس يجوز أن تكون على خليقة نرضاها ويكون والدك على ما يضادها، وقد بلغنا أنه قال شعرا هو كذا فيا ليت شعرنا [على] [1] أي مقام ذل أقام، وما الذي دعاه إلى هذا المقال، وهو ناظر في النقابة والحج فيما في أجل الأعمال وأقصاها علوا في المنزلة، وعساه لو كان بمصر [2] لما خرج من جملة الرعية، وما رأينا على بلوغ الامتعاض منا مبلغه أن تخرج بهذا الولد عن شكواه إليك وإصلاحه على يديك» .
فقال الشريف الطاهر: «والله ما عرفت هذا ولا أنا وأولادي إلا خدم الحضرة المقدسة المعترفون بالحق لها والنعمة منها، وكان في حكم التفضل أن يهذب هذا الولد بإنفاذ من يحمله إلى الدار العزيزة، ثم يتقدم في تأديبه بما يفعل، بأهل الغرة والحداثة» .
فقال له القاضي [أبو بكر] [1] : الشريف يفعل في ذلك ما يراه الحضرة المقدسة، فيزول ما خامرها به ثم استدعى الشريف ابنيه المرتضى والرضى، وعاتب الرضى العتاب المستوفى.
فقال له: ما قلت هذه الأبيات ولا أعرفها. فقال له: إذا كنت تنكرها فاكتب خطك للخليفة بمثل ما كنت كتبت به في أمر صاحب مصر، وأذكره بما أذكره به من الادعاء في نسبه، فقال: لا افعل، فقال [له] [2] : كأنك تكذبني بالامتناع عن مثل قولي، فقال: ما أكذبك، ولكني أخاف الديلم ومن للرجل من الدعاة بهذه البلاد، فقال: يال العجب تخاف من هو منك على بلاد بعيدة وتراقبه وتسخط من أنت بمرأى منه ومسمع وهو قادر عليك وعلى أهلك، وتردد القول بينهما حتى غلط الرضى في الجواب، فصاح الطاهر أبو محمد، وقام الرضى، وحلف الطاهر أن لا يقيم معه في بلد، وآل الأمر إلى إنفاذ القاضي أبي بكر وأبي حامد الأسفراييني، وأخذا اليمين على الرضى أنه لم يقل الشعر المنسوب إليه، ولا يعرفه واندرجت القصة على هذا.
توفي الرضى يوم الأحد لست خلون من محرم هذه السنة، وحضر الوزير فخر الملك وجميع الأشراف والقضاة والشهود والأعيان، ودفن في داره بمسجد الأنباريين، ومضى أخوه المرتضى إلى المشهد بمقابر قريش لأنه لم يستطع أن ينظر إلى تابوته، ودفنه وصلى عليه الوزير فخر الملك في الدار مع جماعة أمهم أبو عبد الله بن المهلوس العلويّ، ثم دخل الناس أفواجا، فصلوا عليه، وركب فخر الملك في آخر النهار/ فعزى المرتضى وألزمه العود إلى داره ففعل، وكان مما رثاه أخوه المرتضى:
يال الرجال لفجعة جذمت يدي ... ووددتها ذهبت على برأسي
ما زلت أبي وردها حتى أتت ... فحسوتها في بعض ما أنا حاسي
ومطلتها زمنا فلما صممت ... لم يثنها مطلي وطول مكاسي
لا تنكرن من فيض [3] دمعي عبرة ... فالدمع [4] خير مساعد ومواسي
واها لعمرك من قصير طاهر ... ولرب عمر طال بالأرجاس





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید