المنشورات

الحسين بن علي بن الحسين، أبو القاسم المغربي الوزير

ولد بمصر في ذي الحجة سنة سبعين وثلاثمائة وهرب منها حين قتل صاحبها أباه وعمه، وقصد مكة ثم الشام ثم بغداد فوزر لمشرف الدولة [3] بعد أبي على الرخجي، وكان كاتبا عالما يقول الشعر الحسن، ثم وزر بعد ذلك لابن مروان بديار بكر ومات عنده، قال أبو غالب بن بشران الواسطي: رويت له أن بعض الحكماء قال لبنيه: تعلموا العلم فلأن يذم الزمان لكم خير من أن يذم بكم، ففكر ساعة وكتب:
ولقد بلوت الدهر أعجم صرفه ... فأطاع لي عصيانه ولسانه [4]
ووجدت عقل المرء قيمة نفسه ... وبجده جدواه، أو حرمانه
فإذا جفاه المجد عيبت نفسه ... وإذا جفاه الجد عيب زمانه
ومن شعره المستحسن ما أنبأنا به أبو القاسم السمرقندي، قال: أنشدنا أبو محمد التميمي للوزير أبي القاسم المغربي:
وما ظبية أدماء تحنو على الطلا ... ترى الإنس وحشا وهي تأنس بالوحش
غدت فارتعت ثم انثنت لرضاعه ... فلم تلق شيئا من قوائمه الحمش
فطافت بذاك القاع ولهى فصادفت ... سباع الفلا ينهشنه أي ما نهش
/ بأوجع منى يوم ظلت أنامل ... تودعني بالدر من شبك النقش
وأجمالهم تمشى [5] وقد خيل الهوى ... كأن مطاياهم على ناظري تمشي
وأعجب ما في الأمر إن عشت بعدهم ... على أنهم ما خلفوا في من بطش
وكان المغربي إذا دخل عليه الفقيه سأله عن النحو، والنحوي سأله عن الفرائض أو الشاعر سأله عن القرآن قصدا ليسكتهم، فدخل عليه شيخ معروف فسأله عن العلم، فقال: ما أدري ولكني رجل يودعني الغريب الذي لا أعرفه الأموال العظيمة، ويعود بعد سنين وهي بختومها فأخجله بذلك وآل الأمر [1] إلى أن زار رجلا من الصالحين المنقطعين إلى الله تعالى، فقال: لو صحبتنا لنستفيد منك وتستفيد منا، فقال: ردني عن هذا قول الشاعر:
إذا شئت أن تحيا غنيا فلا تكن ... بمنزلة إلا رضيت بدونها
فأنا اكتفي بعيشي هذا، فقال: يا شيخ ما هذا بيت شعر هذا بيت مال، ثم قال:
اللهم أغننا كما أغنيت هذا الشيخ، واعتزل السلطان فقيل له: لو تركت المناصب في عنفوان شبابك، فقال:
كنت في سفرة البطالة والجهل ... زمانا فحان مني قدوم
تبت من كل مأثم فعسى يمحي ... بهذا الحديث ذاك القديم
بعد خمس وأربعين لقد ما ... طلت إلا أن الغريم كريم
ولما أحس بالموت كتب كتابا إلى من يصل إليه من الأمراء والرؤساء الذين من ديار بكر والكوفة يعرفهم أن حظية له توفيت، وإن تابوتها يجتاز بهم إلى مشهد أمير المؤمنين علي عليه السلام، وخاطبهم في المراعاة لمن يصحبه ويخفره، وكان قصده أن لا يتعرض أحد لتابوته، وأن ينطوي خبره فتم له ذلك.
وتوفي في رمضان بميافارقين عن ست وأربعين سنة، وحمل إلى مشهد أمير المؤمنين علي عليه السلام فدفن هناك.
أَخْبَرَنَا محمد بْن ناصر، أَخْبَرَنَا عبد المحسن بن محمد قال: حدثني أبو منصور محمد بن علي الواسطي قال: حدثني الأمير منتخب الملل قال: كان ابن المغربي مختفيا بالقاهرة والسلطان يطلب دمه، وكان بمصر صبي أمرد مما انتهى الحسن إليه في زمانه، وكان يشتهي أن يراه، فخبر أنه يسبح في الخليج، فخرج وغرر بنفسه، ونظر إليه فقال:
علمت منطق حاجيه والين عشر رأيته ... وعرفت آثار النعيم بقبلة من عارضيه
ها قد رضيت من الحياة بأسرها نظري إليه ... ولقد أراه في الخليج يشقه من جانبيه
والموج مثل السيف وهو فرنده في صفحتيه ... لا تشربوا من مائه أبدا ولا تردوا عليه
قد ذاب منه السحر من حركاته وحنيته ... مكانه في الموج قلبي بر شواقي إليه]





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید