المنشورات

جمع الأشراف والقضاة والشهود والفقهاء في دار الخلافة

وفي هذا اليوم: جمع الأشراف والقضاة والشهود والفقهاء في دار الخلافة، وقرئ عليهم كتاب طويل عمله الخليفة القادر باللَّه يتضمن الوعظ وتفضيل مذهب السنة [1] ، والطعن على المعتزلة وإيراد الأخبار الكثيرة في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة.
وفي يوم الخميس/ لعشر بقين من شهر رمضان: جمع الأشراف والقضاة والشهود والفقهاء الوعاظ والزهاد إلى دار الخلافة، وقرأ عليهم أبو الحسن بن حاجب النعمان كتابا طويلا عمله الخليفة القادر باللَّه، وذكر فيه أخبارا من أخبار النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته، وما روي عنه في عدة أمور من الدين وشرائعه، وخرج من ذلك إلى الطعن على من يقول بخلق القرآن وتفسيقه وحكاية ما جرى بين عبد العزيز وبشر المريسي فيه، ثم ختم القول بالوعظ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأخذت في آخر الكتاب خطوط الحاضرين وسماعهم بما سمعوه.
وفي يوم الاثنين غرة ذي القعدة: جمع القضاة والشهود والفقهاء والوعاظ والزهاد إلى دار الخلافة، وقرئ عليهم كتاب طويل جدا يتضمن ذكر أبي بكر وعمر وفضائلهما ووفاة النبي صلى الله عليه وسلم، والطعن على من يقول بخلق القرآن، وأعيد فيه ما جرى بين بشر المريسي وعبد العزيز المكي في ذاك، ويخرج من هذا إلى الوعظ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأقام الناس إلى بعد العتمة حتى استوفيت قراءته، ثم أخذت خطوطهم في آخره بحضورهم وسماع ما سمعوه.
وكان يخطب في جامع براثا من يذكر في خطبته مذهبا فاحشا من مذاهب الشيعة، فقبض عليه في دار الخلافة، وتقدم يوم الجمعة التاسع عشر من ذي القعدة إلى أبي منصور [بن تمام] [1] الخطيب ليخطب بدلا عن الخطيب الذي كان مرسوما به، فلما صعد المنبر دقه بعقب سيفه، على ما جرت به العادة، والشيعة تنكر ذلك، وخطب خطبة قصر فيها عما كان يفعله من تقدمه في ذكر علي بن أبي طالب، وختم قوله بأن قال: اللَّهمّ اغفر للمسلمين، ومن زعم أن عليا مولاه، فرماه العامة حينئذ بالآجر ودموا وجهه، ونزل من المنبر ووقف المشايخ [2] دونه حتى صلى ركعتي الجمعة خفيفة وعرف الخليفة ذلك فغاظه وأحفظه، وخرج أمره باستدعاء الشريفين أبي القاسم المرتضى، وأبي الحسن الزينبي، [نظام الحضرتين محمد بن علي] [3] والقاضي أبي صالح، وأمر بمكاتبة الحضرة الملكية والوزير أبي علي ابن ماكولا والأصبهلارية [4] في هذا المعنى بما تقام الصحبة فيه فكان فيما كتب:
«بسم الله الرحمن الرحيم إذا بلغ الأمر، أطال الله بقاء صاحب الجيش، إلى الجرأة على الدين وسياسة الدولة والمملكة، ثبتها الله من الرعاع والأوباش، فلا صبر دون المبالغة بما توجبه الحمية وبغير شك أنه قد بلغه ما جرى في يوم الجمعة الماضية من مسجد براثا الذي يجمع الكفرة والزنادقة، ومن قد تبرأ الله منه فصار أشبه شيء بمسجد الضرار، وذلك أن خطيبا كان فيه يجري إلى ما لا يخرج به عن الزندقة والدعوى لعلي بن أبي طالب عليه السلام ما لو كان حيا، فسمعه لقتل قائله وقد فعل مثل ذلك في الغواة أمثال هؤلاء الغثاء الذين يدعون للَّه، ما تكاد السموات يتفطرن منه، فإنه كان في بعض ما/ يورده هذا الخطيب قبحه الله بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول وعلى أخيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب مكلم الجمجمة، ومحيي الأموات البشري الإلهي مكلم فتية أصحاب الكهف، إلى غير ذلك من الغلو المبتدع الذي تقشعر منه الجلود، ويتحرك منه المسلمون، وتنخلع قلوبهم، ويرون الجهاد فيه كجهاد الثغر، فلما ظهر [1] ذلك قبض على الخطيب وأنفذ ابن تمام ليعتمد إقامة الخطبة القويمة، فأورد الرسم الذي يطرق الأسماع من الخطبة ولم يخرج عن قوله: اللَّهمّ صلى على محمد وعلى آله الطاهرين وأصحابه المنتجبين وأزواجه [الطاهرات] [2] أمهات المؤمنين،. وذكر العباس وعليا عليهما السلام، ثم قال في التفاته المعهود عن يمينه: اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد إمام أئمة الهدى، وعن يساره اللهم صل على محمد الشفيع المشفع في الورى وأقام الدعوتين الجليلتين، ونزل فوافاه الآجر كالمطر فخلع كتفه وكسر أنفه وأدمى وجهه وهو لما به وأشيط بدمه لولا أنه كان هناك أربعة من الأتراك أيدهم الله فنفروا واجتهدوا في أن حموه لكان قد هلك، وهذه هجمة على دين الله وفتك في شريعة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلاعة في ذكر الربوبية، والحاجة صادقة، والضرورة ماسة إلى أن يقصد الامتعاض البالغ في هذه الحال العظيمة الهائلة التي ارتكبها الكفرة الفجرة، وأقدموا على ما أقدموا عليه، وبقي التظافر على اقتناصهم وأخذ البريء/ بالسقيم، وإباحة الدماء الواجب سفحها، وكسر الأيدي والأرجل التي تجب إبانتها عن أجسادها والشد على أيدي أصحاب المعونة فيما يقصدونه من ذلك، والعمل على ركوب الجم الغفير وجمهور كبراء العسكر أدام الله عزهم في يوم الجمعة الآتية ليكون الخطيب أيده الله في صحبتهم، ويجري الأمر في الخطبة الإسلامية على تقويمها، ورغم من رغم، ولا يكون ذلك إلا بعد نكاية تظهر وتعم، فإن هؤلاء الشيع قد درسوا الإسلام وقد بقيت منه بقية، وإن لم يدفع هؤلاء الزنادقة المرتدة عن سنن الإسلام وإلا هدم وذهبت هذه البقية، وله أدام الله تأييده سامي رأيه في الوقوف على ذلك والجري على العادة في كفاية هذا المهم، وإجابتي عن هذه الرقعة بما أنهيه فيقع السكون إليه والاعتماد عليه إن شاء الله بعد فقد لحق تماما الخطيب في نفسه وولده ما ستنشر معرفته، وقد انهتك [1] محرمه، ويحتاج أن يستدعي صاحب المعونة ليستكشف عن حقيقة الحال ومن الذي جنى هذه الجناية، ويتعرف من الملاحين الذين في المشارع من أي جهة وردوا وإلى أين صاروا، ويتعرف ذلك من حراس الدروب بعد الإرهاب الذي يعمل في مثله ويطالع بما ينتهي إليه الاجتهاد أن شاء الله.
وكان الذي لحق الخطيب أنه كبسه نحو ثلاثين رجلا في داره ليلة الاثنين بالمشاعل، وأخذوا ما كان في داره/ وأعروه وأعروا ولده وحرمه، وأشفق الوزير والأصفهلارية في الجمعة الثانية من حدوث فتنة بركوب الغلمان مع الخطيب، فراسلوا أبا الحسن بن حاجب النعمان بالتوقف عن إنفاذه في هذا اليوم إلى أن تسكن الثورة، وترتب لهذا الأمر قاعدة يؤمن معها الاختلاط والفساد، فلم يحضر خطيب ولا أقيمت صلاة الجمعة في مسجد براثا، وقد كان شيوخ الشيعة امتنعوا من حضوره وتأهب الأحداث والسفهاء للفتنة.
وفي هذا الوقت كثرت العملات والكبسات في الجانب الشرقي من المعروف بالبرجمي ومن معه من الدعار المتغربين من الأجمة بالأحمرية، وكانوا يدخلون على الدار التي يعينون عليها من نقوب ينقبونها إليها فيصيح أهلها ويطلبون مغيثا أو معينا من الأتراك الذين يجاورونهم، فلا يخرج أحد منهم من داره، ولا يمتعض لما يجري في جواره، وزاد الأمر بخلو الجانب الشرقي من ناظر في معونة، ودخل على أبي بكر بن تمام الخطيب ومنزله ملاصق مسجد القهرمانة بازاء دار المملكة، فصاح واستغاث بالملك ودعاه باسمه، فلما كان في ليلة السبت لثلاث بقين من ذي القعدة ارتفع الصياح ليلا في جوار دار المملكة لأن هؤلاء الدعار قصدوا دارا لبعض الأتراك وحاولوا الوصول إليها فنذر بهم وسمع الملك الصوت فركب في غلمانه وحواشيه وخرج إلى باب درب حماد، فطلب القوم، / وخرج كثير من العامة يدعون له ويذكرون الأتراك بما يعجزونهم فيه، فعاد إلى داره، وتعدى الفساد من الجانب الشرقي إلى الجانب الغربي، وكبست فيه دور، وفتحت دكاكين، وكبس جامع الرصافة ليلا، وأخذت ثياب من فيه، واستؤذن الخليفة في تحويل آلات الجامع من الستور، والقناديل، فحولت إلى التربة بالرصافة.
وفي يوم الخميس التاسع من ذي الحجة: حضر الأشراف والقضاة والشهود في دار الخلافة، وقرئ عليهم عهد أبي عبد الله الحسين بن علي بن ماكولا بتقليده قضاء القضاة، وخلع عليه ثم قرئ عهده بعد ذلك في جامع الرصافة وجامع المدينة.
وفي يوم الجمعة الذي كان عيد النحر: خرج الناس والجند إلى ظاهر البلد بحضرة مسجد براثا، فلم يحضر خطيب ولا حضر صاحب معونة، فلما طال الانتظار قيل لأحد المؤذنين في الموضع تقدم فصل، فتقدم وكبر في أول ركعة ما لم يضبط عدده حيرة ودهشا، وسجد قوم ولم يسجد قوم، وكبر في الركعة الثانية تكبيرة أو تكبيرتين، ووقعت الصيحة فظن أنها من فتنة فانزعج الناس واختلطوا وانقطعت الصلاة، وكان سبب انقطاع الخطباء عن هذا الموضع ما سبق ذكره عن أبي منصور بن تمام الخطيب، وغيظ الخليفة في أن لم يفعل مقابلة/ ذلك لما كتب وأمر به، ثم اجتمع بعد هذا قوم من مشايخ أهل الكرخ، فصاروا مع الشريف المرتضى إلى دار الخلافة، فأحالوا على سفهاء الأحداث فيما جرى على الخطيب، وسألوا الصفح عن هذه الجناية، وأن لا يخلى عن هذا المسجد من المراعاة وإقامة الخطبة فيه، فأقيم لهم خطيب وعادت الصلاة في مسجد براثا منذ يوم الجمعة غرة المحرم بعد أن عملت للخطيب نسخة يعتمدها فيما يخطب وإعفاءهم الخطيب من دق المنبر بعقب سيفه، ومن قوله: «اللَّهمّ اغفر للمسلمين ومن اعتقد أن عليا مولاه» .
وفي ليلة الجمعة لعشر بقين من ذي الحجة: ورد أبو يعلى الموصلي وجماعة من العيارين كانوا مقيمين بأوانا وعكبرا، فقتلوا خمسة من الرجالة وأصحاب المسالح، وظهروا من الغد في الكرخ بالسيوف المسلولة، وأظهروا أن كمال الدولة أبا سنان أنفذهم لحفظ البلد وخدمة السلطان، فثار بهم أهل الكرخ فقتلوا وصلبوا.
وفي هذه السنة [1] : جند صاحب [2] مصر جيشا لقتال صالح بن مرداس صاحب حلب، وبعث الجيش مع أنوشتكين التزبري [1] ، فكانت الواقعة عند شاطئ نهر الأردن، فاستظهر التزبري وقتل صالحا وابنه، وأنفذ رأسيهما إلى مصر، وأقام نصر بن صالح بحلب.
وتأخر الحج في هذه السنة من خراسان والعراق.






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید