المنشورات

جلوس الخليفة للعامة والخاصة إثر شكاة عرضت له

وفي يوم الأحد الثامن عشر [من] [5] هذا الشهر: جلس الخليفة القادر باللَّه وأذن للخاصة والعامة فدخلوا عليه وشاهدوه [6] ، وذلك عقب شكاة عرضت له، ووقع الإرجاف معها به، وأظهر في هذا اليوم تقليد الأمير أبي جعفر عبد الله ولده ولاية عهده، وكانت الأقوال قبل هذا قد كثرت في معنى الأمير أبي جعفر وتوليته العهد، وتوقف الخليفة عن ذلك، ثم ابتدئت الحال بأن ذكر على المنابر [بالحضرة] [7] في ذي الحجة من السنة الماضية في عرض الدعاء للخلفية، وقيل: اللَّهمّ أمتعه بذخيرة الدين المرجو لولاية عهده في المسلمين إشارة إليه من غير إفصاح باسمه ولا نص عليه، فلما جلس في هذا اليوم تقدم الصاحب أبو الغنائم محمد بن أحمد وقوم من الأتراك، وقال أبو الغنائم في أثناء ضجة، وازدحام:
خدم مولانا أمير المؤمنين الغلمان داعون له بإطالة البقاء وإدامة الدولة وشاكرون لما بلغهم من نظره لهم وللمسلمين باختيار الأمير أبي جعفر/ لولاية العهد، فقال الخليفة:
من هذا المتكلم ولم يفهم قوله، فقيل الناظر في أمور الأتراك، فقال للأمير أبي جعفر:
اسمع ما يقوله: فأعاد الصاحب القول، فقال الخليفة: إذا كان الله قد أذن في ذلك فقد إذنا فيه، فقال [الأمير] [1] أبو جعفر: مولانا يقول: إذا كان الله قد أذن في ذلك فنرجو الخيرة فيه فقال [الخليفة] [2] وزحف من مخاده حتى أشرف على الناس من أعلى سريره بصوت عال: وقد أذنا فيه، فقال نظام الحضرتين أبو الحسن الزينبي: قد سمع قول مولانا أمير المؤمنين وحفظ والله يقرن ذلك بالخيرة والسعادة، ومدت الستارة في وجهه، وجلس الأمير أبو جعفر على السرير الذي كان قائما عليه بين يديه وخدمه الحاضرون بالدعاء والتهنئة، وتقدم أبو الحسن ابن حاجب النعمان فقبل يده وهناه ودعا له، فقال له: وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً، وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ 33: 25 اتهاما له فساد رأي الخليفة فيه، فبكى وأكب على تقبيل قدمه وتعفير خده ولحيته بين يديه، قال قولا كثيرا في التبري والاستغفار والاستعطاف، فلما كان يوم الجمعة لسبع بقين من الشهر ذكر في الخطبة على منابر الحضرة بالقائم بأمر الله ولي عهد المسلمين، وأثبت ذلك على سكة العين والورق.
ثم ورد في يوم السبت لست بقين من الشهر كتاب الملك جلال الدولة إلى الخليفة يسأله فيه هذا الذي فعل [3] ، فجمع الناس يوم الثلاثاء في بيت الموكب، وقرئ عليهم، وكان فيه:
«سلام على أمير المؤمنين، أما بعد أطال الله بقاء سيدنا ومولانا/ الإمام القادر باللَّه أمير المؤمنين، فإن كتابي صادر إلى الحضرة [4] القاهرة القادرية المحفوفة بالبركات النبويّة، وما أستأمن فيه من أمور الرعايا وحفظ نظام العسكر مستمر بمبذول الإمكان والاجتهاد، فما أزال أعمل فكرا في مصالح المسلمين، وأدأب سعيا في حراسة شملهم [1] وعلم سيدنا ومولانا [2] الإمام القادر باللَّه أمير المؤمنين] [3] محيط بأن الله تعالى جعل لكل شيء أمدا، وسوى في نقل الخلق فلم يخل من حتمه نبيا ولا صفيا، وقد سار سيدنا ومولانا الإمام [4] القادر باللَّه أمير المؤمنين بأحسن السير حاميا للخواص والعوام من الغير والأشبه تسمية النظر في حاضر يومه لغده، وإعداد ما سيظهر به من عدده حتى لا يسأله الله يوم المعاد عن حق أهمل، وقد تعين وجوده، وأن أولى ما أعتمده النظر لأمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومن في ذمتها، والنص على ما يعهد الله بسياستها حتى لا تكون مهملة في وقت وإن الحنبة العزيزة الجعفرية مستحقة لولاية العهد بعد الأمد الفسيح الذي نسأل الله أن يطيله، وأرغب إلى الموقف القادري أن يشد أزر الخلافة بإمضاء العقد المتين لها وصلة اسمها بالاسم العزيز في إقامة الدعوة، وإنشاء الكتب إلى البلاد بما رأى في ذلك ليكون سيدنا ومولانا أمير المؤمنين بعد الأمد الفسيح قد سلم الأمة إلى راع، فإن رأت الحضرة الشريفة النبوية الإنعام بالإجابة إلى المرام أنعمت بذلك، وأصدرت هذه الخدمة يوم الأحد لاثنتي عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى سنة إحدى وعشرين وأربعمائة» .
وأتبع هذا بكتاب عن الخليفة يذكر ما قلده الأمير أبا جعفر من ولاية عهده، فقال فيه: وان أمير المؤمنين لما تأمل ما وهبه الله تعالى/ من سلالته أبي جعفر عبد الله وجده شهابا لا يخبوء وخبر من مغيبات أحواله ما لم يزل يستوضحه فولاه عهده.
وفي يوم الاثنين لليلة خلت من رجب قلد أبو محمد بن النسوي النظر في المعونة، ولقب الناصح، واستحجب وخلع عليه، واستدعى جماعة من العيارين، فأقامهم أعوانا وأصحاب مصالح.
وفي رمضان: ورد الخبر من الموصل بتاريخ يوم الجمعة لخمس بقين من شعبان: أن فضلون الكردي غزا الخزم فقتل منهم وسبى وغنم من أموالهم غنما كثيرا،وعاد إلى بلده يقرر أنه [قد] [1] كسر شوكتهم، وأمن غائلتهم فاتبعوه وكبسوه واستنقذوا الغنائم والسبي من يده، قتلوا من الأكراد والمطوعة أكثر من عشرة آلاف، واستباحوا أموالهم.
وكان ملك الروم قد قصد حلب في ثلاثمائة ألف وكان معه أموال على سبعين جمازة، فأشرف على عسكره مائة فارس من العرب وألف راجل فظن [الروم] [2] أنها كبسة، فلبس ملكهم خفا أسود حتى يخفي أمره، وأفلت وأخذوا من خاصته أربعمائة بغل محملة ثيابا ومالا، وقتلوا مقتله كثيرة من رجاله.
ولليلة بقيت من رمضان كان أول تشرين الأول وينقضي أيلول عن حر شديد زاد على حر تموز وحزيران زيادة كثيرة، وعصفت في اليوم السابع منه ريح سموم تلاها رعد ومطر جود.
وكان في هذه السنة: موتان ببغداد وجرف عظيم في السواد.
وفي سادس شوال: جرت منازعة بين أحد الأتراك النازلين بباب البصرة وبعض الهاشميين، فاجتمع الهاشميون إلى جامع المدينة ورفعوا المصاحف، واستنفروا الناس، / فاجتمع لهم الفقهاء والعدد الكثير من الكرخ وغيرها، وضجوا بالاستغفار من الأتراك وسبهم، فركب جماعة من الأتراك، فلما رأوهم قد رفعوا أوراق القرآن على القصب رفعوا بأزائهم قناة عليها صليب، وترامى الفريقان بالنشاب والآجر وقتل من [الآجر] [3] قوم ثم أصلحت الحال.
وفي ليالي هذه الأيام: كثرت العملات والكبسات بالجانب، الشرقي من البرجمي ورجاله، وقصدوا درب علية ودرب الربع، ففتحوا فيها عدة خانيبارات ومخازن، وأخذوا منها شيئا كثيرا، وكبسوا عدة دور واستولوا على ما فيها.
وتجدد القتال بين القلائين والدقاقين، استمرت الفتنة ودخل من كان غائبا من العيارين وكثر الاستقفاء، وفتح الدكاكين، وعمل العملات ليلا.
ولم يعمل الغدير ولا الغار في هذه السنة لأجل الفتنة، وفي هذا الوقت تجدد دخول الأكراد المتلصصة ليلا إلى البلد، وأخذهم دواب الأتراك من إصطبلاتهم، وفعل ذلك في عدة إصطبلات بالجانبين حتى دعاهم الخوف إلى نقل دوابهم إلى دورهم وشدها فيها ليلا، ونقل السلطان ماله من كراع إلى دار المملكة، وعملت هناك المعالف، وأغلق جلال الدولة بابه وصرف حواشيه لارتفاع الإقامة عنه، وانصرف الحاصل إلى الأتراك.
وتأخر الحاج من خراسان في هذه السنة، ولم يخرج من العراق إلا قوم ركبوا من الكوفة على [1] جمال البادية، وتخفروا من قبيلة إلى قبيلة، وبلغت أجرة الراكب إلى فيد أربعة دنانير.






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید