المنشورات

محمود بن سبكتكين ، يكنى أبا القاسم ويكنى أبوه أبا منصور.

[كان أبو منصور] [3] صاحب جيش السامانية، واستولى عليها بعد وفاة منصور بن نوح، وتوفي سبكتكين في سنة سبع وثمانين وثلاثمائة ببلخ، فنازع إسماعيل بن سبكتكين أخاه محمودا فكسره محمود وملك خراسان [وزالت على يده] [4] دولة سامان، وكان آل سامان قد ملكوا سمرقند وفرغانة وتلك النواحي أكثر من مائة سنة، وقصدهم محمود وقبض عليهم ومالك ديارهم وأقام الخطبة للقادر باللَّه، وراسل محمود بهاء الدولة أبا نصر بن بويه بأبي عمر البسطامي، ونفد إليه هدايا وخمسة أفيلة وسأله خطاب الخليفة في توليته، فبعث بهاء الدولة بأبي عمر البسطامي إلى فخر الملك أبي غالب، وأمره أن يقصد دار الخلافة ويسأله في هذا المعنى، فأجاب القادر باللَّه إلى ذلك في شعبان سنة أربع وأربعمائة وحصل له من الفتوح في بلاد الهند والكفر ما لم يحصل لغيره وكان الخليفة قد بعث إليه الخلع ولقبه بيمين الدولة وأمين الملة ثم أضيف إلى ذلك نظام الدين ناصر الحق وملك محمود سجستان وتملك مملكة واسعة وبلغ إلى قلعة لملك الهند تسع خمسمائة ألف إنسان وخمسمائة فيل وعشرين ألف دابة فأحاط بها فجاءة رسول على نعش يحمل قوائمه أربعة غلمان ويحفه مطرح ومخدة، فقال له: أن مفارقة ديننا/ لا سبيل إليه ولكن نصالحك، فصالحهم على خمسمائة فيل وثلاثة آلاف ومائة بقرة، فبعث محمود إلى ملكهم قباء وعمامة وسيفا ومنطقة وفرسا ومركبا وخفا وخاتما عليه أسمه، وأمره أن يقطع أصبعه وهي عادة للتوثقة عندهم، وكان عند محمود من أصابع من هادنه الكثير فلبس ملكهم الخلعة واخرج حديدة قطع إصبعه الصغرى من غير أن يتغير وجهه، وأحضر دواء فطرحه عليها وشدها.
وفتح محمود قلعة سومنات وهدم البيت الذي يحجونه وفيه أصنام من الذهب والفضة مرصعة بالجواهر وقيمة ذلك تزيد على عشرين ألف ألف دينار وكانوا يحملون إلى الصنم ماء من نهر بينه وبينه مائتا فرسخ. ورتبوا ألفا من البراهمة يواظبون على خدمته ويحلقون رءوس زواره ولحاهم وأجروا على ثلاثمائة رجل وخمسمائة امرأة كانوا يغنون للزوار فحاربهم محمود وقتل خمسين ألفا وغنم الأموال، وقبض على أبي طالب رستم بن فخر الدولة أبي الحسن وكتب إلى القادر باللَّه بأنه وجد لأبي طالب زيادة على خمسين امرأة حرة على ما سبق ذكره وخطب لمحمود في الأطراف وعقد على جيحون جسرا ولم يقدر على ذلك أحد قبله وأنفق في سفرته ألفى ألف دينار ولم يحظ بطائل فأتهم وزيره وقال أغرمتني هذا المال فأخذ منه خمسة آلاف ألف دينار واعتقله، وكان قد عبر في غزوة إلى ما وراء النهر فضمن له أهل سمرقند ألف غلام حتى كف عنهم وكان معه أربعمائة فيل تقاتل، وحمل إليه وهو بغزنة شخصان من النسناس الذين يكونون في بادية نحو الترك، / وهم على صور الناس في جميع أعضائهم إلا أن ابدانهم ملبسة بالشعر لا يكاد يبين منه [1] ، ولهم كلام كصفير الوحش، فقدم لهذين المحمولين خبز وثريد ولحم، فلم يأكلا، وحملا إلى موضع الفيلة فما خافا وأكلا من الحشيش الذي يأكلونه. كما يأكل الحمار وتغوطا كما تفعل البهائم وأتراك بلادهم يأكلونهم ويذكرون أنهم أطيب اللحوم لحما، ومرض محمود وكانت علته سوء المزاج وانطلاق البطن وهو على غزواته ونهضاته لا يثنى، فلما اشتد به الأمر أمر بالجواهر التي اقتناها من ملوك خراسان وما وراء النهر وعظماء الترك والهند، فصفت في صحن فسيح في قصره وكان قد جمع سبعين رطلا من الجوهر، فلما نظر إليها بكى بكاء متحسر على ما يخلفه، ثم أمر بردها إلى مكانها من القلعة بغزنة، وتوفي يوم الخميس لسبع بقين من ربيع الآخر من هذه السنة، وهو ابن ثلاث وستين سنة، ملك منها ثلاث وثلاثين سنة، ومات وهو مستند في دسته لم يضع جنبه إلى الأرض، وكان ظاهر أمره التدين والتسنن، وولى ابنه مسعود مكانه.





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید