المنشورات

لحقت القادر باللَّه شكاة

وفي هذه الأيام: [2] لحقت القادر باللَّه شكاة أرجف به فوقع الانزعاج وانتقل من كان ملتجئا إلى داره ومقيما بها، ونقل ما كان فيها من الأموال، وتكلم الغلمان في مطالبة الأمير ولي العهد بمال البيعة، ثم استقل الخليفة مما وجده، ثم وجد الغلمان وأظهروا كراهية الملك جلال الدولة، وشكوا اطراحه تدبيرهم، وأشاعوا بأنهم يقطعون خطبته في الجمعة المقبلة إلى أن يستقر رأيهم على من يختارونه، فعرف الملك ذلك فأقلقه، وفرق مالا في بعضهم، ووعدهم، وندل أن يحلف لهم فحلف ثم عادوا [3] الاجتماع والخوض في قطع خطبته، وقالوا: قد وقفت أمورنا وانقطعت موادنا ويأسنا من أن يجري لنا على يد هذا الملك خير، وهو إن أرضى بعضنا فماذا يصنع الباقون، وأنفذوا إلى دار الخلافة جماعة من طوائفهم يقولون قد عرف أمير المؤمنين صورتنا مع هذا الملك وما هو عليه من اطراحنا ونريد أن تأمر بقطع خطبته، فخرج الجواب بأننا على ما تعرفون من المراعاة لكم، وهذا الرجل مولاكم وشيخ بني بويه اليوم، وله في عنقنا عهود، وإذا أنكرتم منه أمرا رددناه عنه وتوسطنا الأمر، فأما غير هذا فلا يجوز الإذن فيه، فإن قبلتم هذا وإلا فما خل فيها ولا نأمركم بها، فانصرفوا غير راضين، وصليت الجمعة من غد ووقعت الخطبة على رسمها إلا في جامع الرصافة، فإن قوما من الأتراك حضروا عند المنبر ومنعوا أبا بكر بن تمام الخطيب/ من ذكر الملك، وضرب أحدهم يد الخطيب، وخاف الناس الفتنة فتفرقوا من غير صلاة، ثم عاودوا الشكوى حتى شارفت الحال المكاشفة، ثم توطنوا فسكتوا [4] .
وكان المهرجان في رمضان فلم يجلس السلطان فيه ولا ضرب له دبدبة على ما جرى به الرسم، وقد كان الطبالون انصرفوا قبل ذلك بأيام وقطعوا ضرب الطبل في أوقات الصلوات وذلك لانقطاع الإقامة عنهم وعن الحواشي، ثم وقع عيد الفطر فجرت الحال على مثل هذه [السبيل] [1] ، ولم يركب إلى الجامع والمصليان صاحب المعونة، ولا ضرب بوق، ولا نشر علم، ولا أظهرت [2] زينة، وزاد الاختلاط ووقعت الفتنة بين العوام، وأحرقت سوق الخراطين، ومدبغة الجلود، وقبلها سوق القلائين، وكثر الاستقفاء والكبسات، ثم حدث في شوال فتنة بين أصحاب الأكسية وأصحاب الخلقان أشفى منها أهل الكرخ على خطر عظيم، والفريقان متفقان على مذهب التشيع.
وثارت في هذا الوقت فتنة بين الغلمان، فمالت العوام إلى بعضهم فأوقعوا بهم وأخذوا سلاحهم، ثم نودي في الكرخ بإخافة العيارين وبإحلالهم يومين، فلما كان الليل [3] اجتمعوا وكانوا نحوا من خمسين ووقفوا على دجلة بإزاء دار المملكة وعليهم السلاح وبين أيديهم المشاعل، وصاحوا بعد الدعاء للملك بأنا يا مولانا عبيدك العيارون، وما نريد ابن النسوي واليا علينا فإن عدل عنه وإلا أحرقنا وأفسدنا، وانصرفوا فخرج قوم منهم إلى/ السواد، ثم طلبوا فهربوا، ثم عادوا إلى الكبسات والعملات.
وفي أول ذي الحجة: جرت فتنة وقتال شديد على القنطرتين العتيقة والجديدة، واعترض أهل باب البصرة قوما من القميين لزيارة المشهدين بالكوفة والحائر، وقتلوا منهم ثلاثة نفر، وجرحوا آخرين، وامتنعت زيارة المشهد بمقابر قريش يومئذ.
وفي ذي الحجة توفي القادر باللَّه، وولي القائم باللَّه.




مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید