المنشورات

طرف من سيرة القائم بأمر الله

[3] كانت للقائم عناية بالأدب ولم يكن يرتضي أكثر ما ينشأ في الديوان حتى يصلح فيه أشياء، وروى الرئيس أبو الحسن علي بن هبة الله بن عبد السلام، عن أبي الفضل محمد بن علي بن عامر الوكيل [4] ، قال: دخلت يوما إلى المخزن فلم يبق أحد إلا وأعطاني قصة وامتلأت أكمامي بالرقاع [فلما رأيتها كثيرة] [1] قلت: لو كان هذا الخليفة أخي أو ابن عمي [حتى] [2] أعرض [3] [عليه هذه الرقاع لأعرض] [4] عني، وألقيتها في بركة ماء والقائم ينظر إليّ وأنا لا أعلم، فلما وقفت بين يديه أمر الخدم بأخذ الرقاع من البركة فتبادروا إليها وبسطوها في الشمس فكلما جفت قصة حملت إليه، فلما تأملها وقع عليها جميعها بأغراض أصحابها، ثم قال: يا عامي- وكان إذا ضجر يخاطبني بهذا- ما حملك على هذا الفعل، وهل كان عليك في إيصالها درك؟ فقلت:
بل وقع لي أن الضجر يقع منها، فقال: ويحك ما أطلقنا من أموالنا شيئا بل نحن وكلاء، فلا تعد إلى ما هذا سبيله، ومتى ورد عليك وارد فإياك أن تتقاصى عن أنصال قصته.
وفي يوم الاثنين الثامن عشر من ذي الحجة: كان الغدير، وقام العيارون بالإشعال في ليلته، ونحر جمل في صبيحته بعد أن جبوا الأسواق والمحال لذلك، واشتد تبسط هذه الطائفة، وخلعوا جلباب المراقبة وتبسطوا وضربوا وقتلوا، وفعل أهل السنة/ في محالهم ما كانوا يفعلونه من تعليق الثياب والسلاح، وإظهار الزينة، ونصب الأعلام، وإشعال النيران ليلا [5] في الأسواق في يوم الاثنين المقبل زعما منهم أنه في هذا اليوم اجتمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر في الغار.
ثم أن العيارين أسعروا الناس [6] ليلا كبسا لمنازلهم وأخذا لأموالهم، ثم ظهروا وعدلوا بالكبسات عن الكرخ إلى باقي المحال.
وورد الخبر بأن قوما من الدعار كبسوا أبا الطيب ابن كمارويه القاضي بواسط في داره، وأخذوا ما وجدوه وضربوه ضربات كانت فيها وفاته.
وخرجت هذه السنة ومملكة جلال الدولة ما بين الحضرة وواسط والبطيحة،وليس له من ذلك إلا الخطبة، فأما الأموال والأعمال فمنقسمة بين الأعراب والأكراد والأطراف منها في أيدي المقطعين من الأتراك والوزارة خالية من ناظر فيها.
وتأخرت الأمطار في هذه السنة، وقلت الزراعة في السواد لقلة المياه، وتجدد لاحتباس القطر يبس في الأبدان، فأصاب أكثر الناس نزلات في رءوسهم وصدورهم معها حمى وسعال، فكثر طباخو ماء الشعير حتى طبخه أصحاب الأرز باللبن، وبيع كل ثلاثين رمانة حلوة بدينار سابوري ومنا شراب بعشرة قراريط، وأصاب أهل الري وهمذان وحلوان وواسط ونواحي فارس وكرمان وأرجان نحو ذلك، وكان السبب تأخر المطر.
ولم يحج الناس في هذه السنة من خراسان والعراق لانقطاع الطرق، وزيادة الاضطراب.






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید