المنشورات

مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ محمد، أبو عبد الله الصوري:

سمع بصيداء من أبي الحسين بن جميع وهو أسند شيوخه ثم صحب [2] عبد الغني الحافظ فكتب عنه وعن غيره من المصريين وكتب عنه عبد الغني أشياء في تصانيفه وإنما طلب الحديث بنفسه في الكبر وقدم بغداد سنة ثمان عشرة واربعمائة فسمع من أبي الحسن بن مخلد ومن بعده فأقام يكتب الحديث وكان من أحرص الناس عليه وأكثرهم كتبا له وأوفرهم رغبة في تحصيله فربما كرر قراءة الحديث على شيخه مرات ورأيت بخطه في الوجهة الواحدة ثمانين سطرا وكان له فهم ومعرفة بالحديث ومضى إلى الكوفة فسمع بها من اربعمائة شيخ وكان يظهر هناك السنة ويترحم على أبي بكر وعمر فثار أهل الكوفة ليقتلوه فالتجأ إلى أبي طالب بن عمر العلوي وكان أبو طالب يسب الصحابة فأجاره وقال له أحضر كل يوم عندي وارو لي ما سمعت في فضائل الصحابة فقرأ عنده فضائلهم فتاب أبو طالب وقال قد عشت أربعين سنة أسب الصحابة وأشتهي أعيش مثلها حتى أذكرهم بخير/ وكان الصوري يسرد الصوم دائما لا يفطر إلا العيدين والتشريق.
أخبرنا جماعة من أشياخنا عن أبي الحسين [ابن] [3] الطيوري. قال أكثر كتب الخطيب سوى تاريخ بغداد مستفادة من [كتب] [4] الصوري ابتدأ بها وكان قد قسم أوقاته في نيف وثلاثين شيئا وكان له أخت بصور وخلف عندها اثني عشر عدلا من الكتب فحصل الخطيب من كتبه أشياء، قال وأظنه لما خرج إلى الشام أعطى أخته شيئا وأخذ منها بعض كتبه، قال وكان الصوري طيب المجالسة حسن الخلق يصوم الدهر وذهبت إحدى عينيه وكان يكتب المجلدة في جزء وكان سبب موته أنه افتصد فتورمت يده ومات في ذلك.
قال ابن الطيوري حدثني أبو نصر [علي بن] [1] هبة الله بن ماكولا أن السبب في ذلك أن الطبيب الذي فصده وكان قد أعطى مبضعا مسموما ليفصد غيره فغلط وفصده به، وكان الصوري [2] يفيد الناس وإذا أراد أن يسمع شيئا أعلم الناس كلهم ليحضروا المجلس، قال وكان الخطيب إذا ظفر بجزء مرة واحدة فقرأ على الشيخ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن نَاصِرٍ أَخْبَرَنَا الْمُبَارَك بْن عبد الجبار قال أنشدنا الصوري لنفسه:
تولى الشباب بريعانه ... وجاء المشيب بأحزانه
فقلبي لفقدان ذا مؤلم ... كئيبا بهذا ووجدانه
وإن كان ما جار في سيره ... ولا جاء في غير إبانه
ولكن أتى مؤذنا بالرحيل ... فويلي من قرب إيذانه
ولولا ذنوب تحملتها ... لما راعني حال إتيانه
ولكن ظهري ثقيل بما ... جناه شبابي بطغيانه
فمن كان يبكي زمانا ... مضى [3] وبندب طيب أزمانه
/ فليس بكائي وما قد ترون ... مني لوحشة فقدانه
ولكن لما كان قد جره ... على بوثبات شيطانه
فولى وأبقى علي الهموم ... بما قد تحملت في شانه
فويلي وعولي لئن لم يجد ... علي مليكي برضوانه
ولم يتغمد ذنوبي وما ... جنيت بواسع غفرانه
ويجعل مصيري إلى جنة ... يحل بها أهل قربانه
وان كنت ما لي من قربة ... سوى حسن ظني بإحسانه
وإني مقر بتوحيده ... عليم بعزة سلطانه
أخالف في ذاك أهل الجحود ... وأهل الفسوق وعدوانه
وأرجو به الفوز في منزل ... مقر لأعين سكانه
ولن يجمع الله أهل الجحود ... ومن قد أقر بإيمانه
فهذا ينجيه إيمانه ... وهذا يبوء بخسرانه
وهذا ينعم في جنة ... وذلك في قعر نيرانه
قال وانشدنا الصوري لنفسه.
قل لمن عاند الحديث وأضحى ... عائبا اهله ومن يدعيه
أبعلم تقول هذا ابن لي ... أم بجهل فالجهل خلق السفيه
أيعاب الذين هم حفظوا الدين ... من الترهات والتمويه
وإلى قولهم وما قد رووه ... راجع كل عالم وفقيه
توفي الصوري بالمارستان في يوم الأربعاء سلخ جمادي الآخرة [1] ودفن في مقبرة جامع المدينة وكان قد نيف عن الستين سنة.





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید