المنشورات

زيادة الأسعار بالأهواز واتصال الفتن بين أهل باب الطاق وسوق يحيى

وزادت الأسعار بالأهواز [2] فزادت قيمة الكر من الحنطة حتى بلغت ثلاثمائة دينار وبشيراز ألف دينار.
واتصلت الفتن بين أهل باب الطاق وسوق يحيى اتصالا مسرفا وركب صاحب الشرطة والأتراك لإطفاء الفتنة فلم ينفع ذلك وانتقل القتال إلى باب البصرة وأهل الكرخ علي القنطرتين. ووقعت بين الحنابلة والأشاعرة فتنة عظيمة حتى تأخر الأشاعرة عن الجمعات خوفا من الحنابلة وكان أبو الحارث البساسيري قد أحضر الديوان وأحلف على إخلاص الطاعة ثم أن الأتراك ضجوا بين يديه وذكروا أنه لا يوصل إليهم حقوقهم ثم استأذنوا في ماله وأصحابه فأذن لهم وأطلق رئيس الرؤساء لسانه فيه وذكر قبح أفعاله وانه كاتب صاحب مصر/ وخلع ما في عنقه للخليفة وعدد ما كان مطويا في قلبه. ثم سئل الخليفة فيه فقال ليس الآن إهلاكه. 
أخبرنا عبد الرَّحْمَن أخبرنا أبو بكر بن علي الخطيب قال كان أرسلان التركي المعروف بالبساسيري قد عظم أمره واستفحل لعدم نظرائه من متقدمي الأتراك فاستولى على البلاد وطار اسمه وتهيبته أمراء العرب والعجم ودعى له على كثير من المنابر العراقية والأهواز ونواحيها وجبي الأموال ولم يكن القائم بأمر الله يقطع أمرا دونه ثم صح عند الخليفة سوء عقيدته [1] وشهد عنده جماعة من الأتراك أن البساسيري عرفهم وهو إذ ذاك بواسط عزمه على نهب دار الخلافة والقبض علي الخليفة فكاتب الخليفة أبا طالب محمد بن ميكائيل المعروف بطغرلبك أمير الغز وهو بنواحي الري يستنهضه على المسير الى العراق وانفض أكثر من كان مع البساسيري وعادوا إلى بغداد ثم أجمع رأيهم على أن قصدوا دار البساسيري وهي في الجانب الغربي في الموضع المعروف بدرب صالح بقرب الحريم الظاهري فأحرقوها وهدموا أبنيتها.
ووصل طغرلبك إلى بغداد في رمضان سنة سبع وأربعين وأربعمائة ومضى البساسيري على الفرات إلى الرحبة وتلاحق به خلق كثير من الأتراك البغداديين وكاتب صاحب مصر يذكر له كونه في طاعته وأنه على إقامة الدعوة له بالعراق فأمده بالأموال وولاه الرحبة.
قال المصنف: ولما قرب [2] / طغرلبك وانتشر عسكره في طريق خراسان فانزعج الناس وشملهم الخوف ودخل إلى الحريم أهل السواد ثم ورد رسوله الى الديوان في نحو ثلاثين من الغز وانزعج العسكر وركبوا بالسلاح فسلم الرسول كتابا يتضمن الدعاء والثناء وأنه قصد الحضرة الشريفة للتبرك بمشاهدتها والمسير بعد ذلك إلى الحج وعمارة طريقه والانتقال إلى قتال أهل الشام [وكل معاند] [3] ثم خطب لطغرلبك ثم للمسمى بالملك الرحيم من بعده. ثم خرج رئيس الرؤساء لتلقى السلطان معه الموكب فلقيه حاجب السلطان في جماعة من الترك ومعه شهري فقدمه إليه وقال. هذا الفرس من مراكب السلطان الخاصة وقد رسم ركوبك أياما فنزل عن بغلته وركبه وجاء بعده عميد الدولة [1] أبو نصر الكندري وزير السلطان فاستقبله ورام أن يترجل [له] [2] فمنعه وتعانقا علي ظهور دوابهما وتمما إلى النهروان ولقى السلطان فذكر له ما يصلح ذكره عن الخليفة فشكر وأومأ إلى تقبيل الأرض وقال. ما وردت إلا منصرفا عن الأوامر السامية وممتثلا للمراسم العالية ومتميزا عن ملوك خراسان بالدنو من هذه الخدمة الشريفة ومنتقما من أعدائها وسائر إلى بلاد الشام لفتحها وإصلاح طريق الحج. فقال له رئيس الرؤساء. أن الله تعالى أعطاك الدنيا بأسرها فاشتر نفسك منه ببعضها وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة وسأله في الملك الرحيم أن يجريه مجرى أولاده فأعطاه يده ثم استأسره بعد ذلك وقطعت خطبته سلخ رمضان هذه السنة وحمل إلى القلعة/ فاعتقل فيها اعتقالا جميلا.
[قال المصنف] [3] فطغرلبك أول ملك من الترك السلجوقية وهو الذي بنى لهم الدولة والمسمى بالملك الرحيم كان آخر أمراء الديلم وملوك بني بويه.
وفي رمضان: قبض على أبي الحسن سعيد بن نصر النصراني كاتب البساسيري وختم على ماله وخزانته بدار الخلافة وغيرها.
وفي حادي عشر رمضان: فرغ من طيار الخليفة وحط إلى الماء بدجلة بالقراء والأصحاب وثارت بين العوام والأتراك فتنة أدت إلى قتل وأسر فنهب الجانب الشرقي بأسره وذهبت أموال الناس.
وفي ثاني شوال: نزل طغرلبك دار المملكة وتفرق عسكره في دور الأتراك وكان معه ثمانية فيلة.
وفي يوم الثلاثاء عاشر ذي القعدة: قلد أبو عبد الله محمد بن علي الدامغاني قضاء القضاة وخلع عليه ثم خلع علي طغرلبك أيضا في يوم الأربعاء وعاد القاضي بعد ان خلع عليه طغرلبك [4] إلى داره وبين يديه بوقات ودبادب. 
وفي ذي القعدة: توفي ذخيرة الدين أبو العباس محمد بن القائم وكان قد نشأ نشوءا حسنا فعظمت الرزية وجلس رئيس الرؤساء للعزاء به في [رواق] [1] صحن دار السلام وحضر الناس وقد أمروا بتخريق ثيابهم وتشويش عمائمهم والتحفي فلما صار وقت العتمة قطع الرواق بسرادق من دونه سبنية وجعل وراءها التابوت وخرج الخليفة فصلى عليه والناس من بعد [السرادق] [2] وكبر أربعا ودخل رئيس الرؤساء وعميد الملك [إلى] [3] السبنية وعزيا الخليفة وخرجا وقطع ضرب الطبل أيام التعزية من دار الخلافة ومن الخيم السلطانية ولما كان يوم الأحد رابع الجلوس حضر عميد الملك/ في جماعة وأدى عن السلطان رسالة تتضمن الدعاء والسؤال بالتقدم بالنهوض من مجلس التعزية وطلب السلطان مالا من الخليفة فبذل بعض الولاة تصحيح المطلوب علي أن يطلق يده في الحريم ويبسط في التناول. فقال الخليفة، ما زال هذا الحريم مصونا وقد جرى فيه ما رأينا مكافاته في ولدنا فما نشك أن دعوه فسمعت والرعية سألت فأجيبت فعاودوه في ذلك إلى أن تقدم بالرفق فيما يفعل.
وفي هذه السنة: استولى أبو كامل على بن محمد الصليحي الهمذاني علي أكثر أعمال اليمن واعتزى إلى صاحب مصر وقوى على الذي كان يخطب في هذه الأعمال [للقائم] [4] .
وفي هذه السنة [5] : قبض الملك الرحيم بواسط علي الوزير شرف الأمة أبي عبد الله بن عبد الرحيم وقيل طرح في بئر.
وكثر فساد الغز ونهبهم فثار العوام وقتلوا عددا من الغز وكثر النهب حتى بلغ الثور خمسة قراريط إلى عشرة والحمار قيراطين إلى خمسة.
وكان أبو دلف فولاذ [بن خسرو] [6] بن كندي بن حرة قد ملك شيراز وجمع اليه الديلم بها ثم حوصر فبلغت الحنطة سبعة أرطال بدينار ومات أهلها جوعا فبقى فيها نحو ألف إنسان.






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید